في دورة إنتخابات عام 2005، التي جرت على وقع إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام، أحكم "تيار المستقبل" وحلفاؤه قبضتهم على جميع المقاعد النيابية الـ28 في الشمال، بعد خسارة جميع منافسيهم، وعزوف آخرين عن الترشح، كالرئيس الراحل عمر كرامي، والرئيس نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومة "حيادية" أشرفت على تلك الإنتخابات، وكان جميع أعضائها بمن فيهم ميقاتي قد أعلنوا أنهم لن يترشحوا لخوض تلك الإنتخابات تجسيدا للشفافية..
بعد أربع سنوات، كان قيد "تيار المستقبل" وحلفائه قد بدأت تلوح علامات التراخي عليه، وكانت أولى معالمه أن الرئيس سعد الحريري إضطر إلى التنازل في طرابلس من أجل تشكيل لائحة إئتلافية مع ميقاتي والنائبين محمد الصفدي وأحمد كرامي، إذ كان يعرف أنه في حال لم يحصل هذا الإئتلاف فإن خسارة مضمونة بانتظاره، وهي خسارة تلقاها في دائرة زغرتا بعدما فاز حينها النائب سليمان فرنجية وحليفيه إسطفان الدويهي وسليم كرم بمقاعد المنطقة، لتشكل تلك الخسارة كسر أول حلقة في قيد التيار الأزرق وحلفائه في دوائر الشمال.
تسع سنوات مرّت لاحقاً جرى خلالها التمديد للمجلس النيابي، الذي انتخب عام 2009، ثلاث مرات، وأقر في آخر سنة من عمر المجلس قانون إنتخابي جديد قائم على مبدأ النسبية والصوت التفضيلي، كان إيذاناً بأن قيد "تيار المستقبل" وحلفائه سوف تكسر فيه أكثر من حلقة، وهذا ما حصل.
وبالفعل تحقق هذا الهدف بوضوح، وهو ما تبدّى في النتائج التي أفرزتها إنتخابات 6 أيار الجاري، عندما خسر "تيار المستقبل" مع حلفائه 11 مقعدا نيابيا، في دوائر الشمال الثلاث، منها خمسة مقاعد في مدينة طرابلس ذهبت أربعة منها إلى كتلة العزم برئاسة ميقاتي، وعضوية كل من جان عبيد ونقولا نحاس وعلي درويش، أما المقعد الخامس الذي خسره "تيار المستقبل" فكان من نصيب فيصل كرامي، إضافة إلى مقعد في الضنية ذهب للنائب جهاد الصمد، ومقعدين في عكار ذهبا للنائبين أسعد درغام ومصطفى علي حسين، وثلاثة مقاعد في الكورة ذهبت لكل من سليم سعادة وفايز غصن وجورج عطا الله.
هذا المشهد السياسي الجديد في الشمال الذي أفرزته إنتخابات 6 أيار الجاري، أظهر أن أكثر من نصف نواب مدينة طرابلس قد أصبحوا خارج سيطرة تيار المستقبل وحلفائه، وإذا قُبل طعن رئيس جمعية المشاريع الإسلامية في الشمال طه ناجي، فإن 6 نواب من أصل 8 في طرابلس سوف يصبحون خارج الخيمة الزرقاء، إضافة إلى خسارة مقعد في الضنية ومقعدين في عكار، وثلاث مقاعد في الكورة التي أصبحت بكاملها خارج نفوذ تيار المستقبل وحلفائه، يضاف إليهم مقعدين في زغرتا، ليرتفع عدد نواب الشمال الذين هم خارج فريق 14 آذار إلى “دزينة” كاملة.
ليس تفصيلاً بسيطاً ولا محطة عابرة ما حصل في إنتخابات 6 أيار، بل كان حدثاً مفصلياً ستبدأ تداعياته بالظهور تباعاً، وأولها أن دزينة النواب هذه ستكون لها كلمتها وحضورها وثقلها في المجلس النيابي الجديد وفي الحكومة المقبلة، بعدما استطاعت إعادة "التوازن" السياسي، بنسبة كبيرة، إلى دوائر الشمال، الذي رأى مراقبون أن الإنتخابات أعادت المشهد السياسي في الشمال إلى ما قبل عام 2005.