في الحادي والعشرين من أيار الحالي، تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي، وتبدأ ولاية المجلس الجديد المنتخب وفق القانون النسبي. سيترأس الجلسة الأولى النائب ميشال المر، بوصفه رئيس السنّ، وهو الذي سيحدد موعد الجلسة الأولى، التي ستشهد انتخاب رئيس المجلس. جرى اتصال قبل ساعات بين الرئيس نبيه بري والمر، وجرى الاتفاق على الترتيبات. وفق القانون، في امكان أي نائب أن يترشح لرئاسة المجلس، وليس هناك وقت لتقديم الترشحيات، وفي امكان أي نائب يريد ذلك أن يطرح ترشيحه خلال انعقاد الجلسة.
الجلسة الأولى ستحدد المسار الأولي لمرحلة ما بعد الإنتخابات. من حيث المبدأ، الرئاسة محسومة: نبيه بري عائد بأكثرية مضمونة، ولكن لا يمكن استبعاد حصول بعض "المشاغبات في الجلسة"، سواء أكان من خلال طرح بعض النواب أسماء داخل المجلس للرئاسة، أو من خلال عملية التصويت. من حيث المبدأ أيضاً، لا يوجد أي نائب شيعي سيعلن ترشّحه لرئاسة المجلس، لأن النواب الشيعة الـ27 كلهم مع حزب الله وحركة أمل، ولم يحصل أي خرق، والنائب جميل السيد يلتزم بقرار حزب الله، إلا إذا ما أراد طرف آخر إزعاج بري. ولكن الأكيد أن السيد لن يجعل نفسه صندوق بريد، أو يفسح مجالاً لاستخدامه في معركة خاسرة تنطلق من النكايات.
عليه، يبقى الترقّب بشأن آلية التصويت وعدد الأصوات الذي سيحصل عليه بري. حتى الآن، مختلف الكتل ستسميه لرئاسة المجلس. وهذا ما أعلنته الكتل سابقاً باستثناء التيار الوطني الحر، الذي قد يحاول ردّ ما جرى في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، في جلسة انتخاب رئيس المجلس. ولكن التيار يفتقد إلى عدد النواب القادر على فرض الذهاب إلى دورة انتخابية ثانية، على غرار ما حصل في جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون. لذلك، قد يلجأ نواب التيار إلى وضع أسماء مختلفة داخل الصندوق، فيما بدأت اتصالات للاتفاق على نائب رئيس المجلس. وتشير المعطيات إلى أن التيار الوطني الحر هو الطرف الذي سيقرر بشكل أساسي لمن سيؤول هذا المنصب، الذي يدور حول الياس بو صعب، وايلي الفرزلي.
وبعد انتهاء ترتيبات المجلس وانتخاب اللجان، يستعد بري ومختلف الأفرقاء إلى الجهاد الأكبر. صحيح أن من يلتقي مع بري يعتبر أنه حقق انجازات في الانتخابات من خلال تثبيت وجود كل القوى المعارضة لثنائية الرئيس سعد الحريري- الوزير جبران باسيل، إلا أن ذلك سيتركز أكثر في معركة تشكيل الحكومة والاتفاق على كيفية توزيع حصصها. بالتالي، فإن البلاد ستكون مقبلة على حملة واسعة من الشدّ والجذب، يبدو برّي أكثر المستعدين لها، محصناً بتكتل نيابي من 17 نائباً، وحلفاء أثبتوا حضورهم وحافظوا على مواقعهم. وفيما يتمسك بري بوزارة المال، لم تُعرف بعد كيفية تعاطي حزب الله مع تشكيلة الحكومة، سواء أكان في ما يتعلّق بالحقائب التي سيحصل عليها هو مباشرة وسط معلومات تفيد بأنه يصرّ على وزارة أساسية وإن لم تكن سيادية فخدماتية، أم لجهة مطالبته بتوزير شخصيات سنية قريبة منه بحكم تمثّلها في المجلس النيابي. وهناك إشكالية بشأن تحديد عدد وزراء الحكومة، لأن الطامحين إلى التوزير كثر. وهذا ما سيفرض توسيعها. فيما هناك من يعتبر أن رئيس الجمهورية يفضّل أن تكون صغيرة بسبب عدم نجاح تجربة وزراء الدولة بلا حقائب. بينما حقيبة المال ستبقى أزمة عالقة، لأن هناك توافقاً بين المستقبل والتيار الوطني الحر بشأن وجوب نقلها من يد حركة أمل كي لا يتكرس ذلك عرفاً.
في الأثناء، يستعد بري وحزب الله إلى الدخول في معارك أساسية تتعلق بكسر منطق الثنائية، والحفاظ على الشراكة، والدخول أكثر في مضمار الملفات الاقتصادية والمالية. وقد يطرح البحث في تطوير قانون الانتخابات ليصبح نسبياً بشكل كامل، وليس مسخاً، بالإضافة إلى الإعداد لإطلاق مشاريع تتعلق بالاصلاح السياسي والتشريعي. وهذه قد تشكل عناوين لخلافات بين الأفرقاء، لا سيما مع تيار المستقبل. لكن الالتفاف على هذه التنازلات، قد يرتكز على مبدأ أساسي، تكرّس في نتائج الانتخابات التي منحت حزب الله سيطرة واسعة في الدولة. وهذا ما سيدفع تيار المستقبل إلى تقديم تنازلات غير علنية لاستمرار هذه التسوية، التي ستكون صورتها على شكل ائتلاف واسع للموالاة، يضم إلى جانب حزب الله وأمل المستقبل والتيار الوطني الحر، بحيث يستحيل على أي قوة معارضة عرقلة أي قرار أو توجه. أما التوافقات المالية والاقتصادية فهي ما يدفع الجميع إلى تجاوز الخلافات الأساسية، وحصرها في كيفية توزيع المغانم.