بينما استفاق بيك المختارة صباح الأربعاء بعد ليلةٍ من الاشتباك الدموي في الشويفات، متفقداً هاتفه ليكتب تغريدته الصباحية، وجلس مير خلدة على شرفة قصره متأملاً البحر، كعادتيهما، وقفت الوالدة المفجوعة في بيتها المتواضع في العمروسية (حي أبو فرج) تنظر إلى ولدها وقد ضرّجته الفتنة بدمائه، وأشبعه الحقد السياسي العبثي بالجروح، تضم ما تبقى من قميصه وتقول له "قوم يا حبيبي كسرت قلبي بعد بكير عالموت".
في يوم ميلاده الواحد والثلاثين، قرر كل من النائبين السابق وليد جنبلاط والمنتخب طلال ارسلان إنهاء حياة علاء أبو فرج، بعد مسرحيةٍ انتخابية بدأت قبل أشهر من الانتخابات وكان فصلها الاخير دموياً بامتياز.
لم يعرف علاء يوماً أن تقربه من الحزب التقدمي الاشتراكي سيكون سببا كافياً لموته، ولم يتوقع أن تقود اللعبة السياسية بعض مناصري الحزب الديمقراطي اللبناني إلى إطلاق قذيفة "بي سيفن" على محيط مكتب الاشتراكي ليل الأول من أمس.
لكن كان يعلم كل من رئيسَي الحزبين أن لعبتهما الانتخابية وشد العصب والتعبئة ضد أبناء البيت الواحد ستصل إلى هنا، وستُنهي حياة شاب كل ذنبه أنه اعتقد أن ممارسة السياسة في بلد ديمقراطي حق مشروع له.
ترفض أسرة علاء المؤلفة من والدته وشقيقته وشقيقيه تقبّل التعازي أو دفنه قبل أن يسلّم الحزب الديمقراطي القاتل، الذي هو بنظرهم "أمين السوقي مسؤول أمن أرسلان"، وباعتبارهم أن الشبان الذين تم تسليمهم ليسوا المسؤولين عن وفاة ابنهم.
تروي مصادر محلية كانت شاهدة عيان على الاشتباكات التي حصلت في الشويفات مساء الثلاثاء، لـ"ليبانون ديبايت"، تفاصيل ما حصل في الشويفات. وتؤكد أن الفيديو الذي انتشر للنائب المنتخب أكرم شهيب وهو يخاطب بعض المحازبين، بعد ظهر الثلاثاء، وقال فيه شهيب ان ارسلان "رئيس لائحة بالمتعة". وأضاف أن "الوفي بيوفي لدار المختارة، خليه يروح يعمل تابع عند جبران باسيل"، هو الشعرة التي قسمت ظهر البعير بين الديمقراطيين والاشتراكيين.
الفيديو الذي استفز مناصري أرسلان الذين حملوا أسلحتهم وراحوا يدورون في شوارع الشويفات ويطلقون الرصاص في الهواء، وما إن وصلوا إلى حي الأمراء حتى التقتهم مجموعة من مناصري الاشتراكي في مقدمتهم صلاح ورائد صعب، واشتبكت المجموعتان وأطلقتا الرصاص العشوائي في الهواء قبل أن تتدخل القوى الأمنية لفك الإشكال.
وما إن حلّ الظلام حتى عادت مجموعة الديمقراطي نفسها برئاسة السوقي لممارسة الشغب في شوارع الشويفات، وضربت قذيفة "بي سيفن" في محيط مكتب الاشتراكي في العمروسية، الأمر الذي أدى لإصابة الشاب علاء ابو فرج المتطوع في الدفاع المدني والمقرب من الاشتراكيين وموته على الفور.
"لم يغمض لنا جفن" هكذا تصف إحدى سيدات الشويفات ليلة الثلاثاء، "الرصاص كان كالمطر يسقط بين بيوتنا، أطفالنا أصابتهم الرعبة من هول الأصوات"، وتتابع "رح بيع بيتي بتراب المصاري وفِل، ما بيكفي الزبالة والمجارير والتلوث اللي معيشينا فيه إلا الخوف والقلق والرعب" وتنهي حديثها بالقول "الشويفات ما بقى تنسكن، الشويفات صارت بس للزعران".
لا يتخوف المحامي عماد قاضي، ابن الشويفات من عودة الاشتباك للشويفات من جديد، باعتبار أن "ما حصل كان الأسوأ، فقدنا شاب بعمر الورود"، بالإضافة إلى الانتشار الأمني المكثف في المنطقة، الذي منح الأهالي بعض الشعور بالأمان بعد ليلةٍ هاربة من العام 1975.
ويؤكد لـ"ليبانون ديبايت أن ما حصل "لعبةً انتخابية لشد العصب وحصد المقاعد النيابية ومنع المعارضة والمجتمع المدني في الجبل من الخرق، انتهت بالقتل". ويقول في ما يخص عدم تسليم القاتل حتى الساعة، إن حصانة النائب لا تسمح له بعرقلة سير العدالة ولا يحق له استقبال مطلوب للتحقيق بأي من الظروف، وليس من اختصاصه أن يقرر من هو الجاني أو الفاعل ومن هو الشاهد ومن هو المخطط أو المحرض لهذا الفعل المشين".
من جهته، شجب الاستاذ الجامعي (ابن الطائفة) غسان بو دياب ما حصل ليل الثلاثاء، ورأى أن الشباب يدفع فاتورة الخطاب السياسي المتشنج في زمن الانتخابات الذي لم يوفر لا مقدسات ولا محرمات. ولفت إلى أن "هذا النوع من التخاطب باللغة النارية يعرض السلم الداخلي والأمن لما لا تحمد عقباه ويجعل الساحة التوحيدية الداخلية مفتوحة على ما هو اسوأ".
عاد الهدوء للشويفات، وانتهت بعودته حياة علاء، وسعادة والدته، أما زعماء الجبل، سيجلسون في الغد القريب على موائد بعضهما، يشربون نخب مقاعد نيابية مغمّسة بدم الأبرياء.