منذ اللحظة الأولى التي قرّر فيها "حزب الله" خوض الانتخابات النيابية وفق القانون النسبيّ كان يدرك أنه سيواجه في محافظة بعلبك الهرمل معركة مصيرية لعلمه بأن سياسته المجحفة تجاه المنطقة على مدار السنوات الماضية خلّفت ندوباً عميقة لدى بيئته الحاضنة بالدرجة الاولى، فضلاً عن أن القانون نفسه يعطي فرصة كبيرة لخصومه في الوصول الى الندوة البرلمانية.
ولهذا قرّرت قيادة الحزب خوض المعركة على قاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة، فسخّرت كل امكاناتها المالية والاعلامية والتعبوية التي لم تفلح في المرحلة الاولى بإحداث أي تغيير يذكر على صعيد المزاج الشعبي البقاعي، خصوصا أن الذي تولّى ادارة الماكينة الانتخابية للحزب استخدم في خطاباته نفَساً استعلائيّاً أثار استياء أهل المنطقة بمؤيّديها ومعارضيها، ممّا اضطر أمينه العام الى تنحيته وتصدى هو شخصيا للمهمة الصعبة، فكثّف خطاباته التحريضية ضد خصومه، وهي خطابات متشنجة اعتمد فيها بشكل كبير على التخوين والاتهام بالعمالة للسفارات ودعم الارهابيين وانفاق المال الانتخابي، وبدا خطابه الاخير في بعلبك هزيلا يفتقد للمصداقية، سيما أنه تركّز على تزوير الحقائق وتحريفها.
ولا ننكر أن تلك الخطابات كان لها تأثير لا يستهان به في تبديل مواقف الكثيرين ممن قرروا مقاطعة الانتخابات سابقا، ومعظمهم من الطيبين الذين يثقون بالسيد ويقدّسونه، خصوصاً انه ابتزهم بشهدائهم ومنّ عليهم بحمايتهم من الارهاب، ووعدهم بعد الانتخابات بالعفو العام وتحريك عجلة الانماء ومحاربة الفساد، وواكبه في ذلك مرشحوه الذين زاروا معظم البلدات البقاعية وحاراتها وعشائرها واطلقوا وعودا هم اكثر من يعلم انهم عاجزون عن تحقيقها، وقاموا باستعراضات مخجلة مذلة لدرجة انهم اضطروا للانشاد والرقص واطلاق عبارات التقديس والتمجيد بحق سيدهم.
ورغم أن القانون الانتخابي في بعلبك الهرمل فُصِّل تماماً على قياس الحزب باعتبار انها المنطقة الوحيدة التي اعتُمد فيها الصوت التفضيلي على اساس المحافظة لا على اساس القضاء، وهذا يعني أن الاصوات التفضيلية في قضاء الهرمل تؤثر بشكل كبير على مجريات الانتخابات في قضاء بعلبك، والعكس صحيح، فإن استطلاعات الرأي التي اجراها الحزب كانت مخيفة في نتائجها، مما اضطرّه للانتقال الى المرحلة الثانية التي أُعِدّت خططُها سابقاً، فانتخب آلاف الاموات والشهداء وكثير ممن لم يحضروا الى مراكز الاقتراع، كما استغلّ حالة التأخير التي حصلت في بعض المراكز ليمدّد فترة الاقتراع حتى العاشرة ليلاً مما رفع نسبة التصويت من ٤٩٪ الى ٦٣٪، وكل هذا تمّ تحت أعين رؤساء الاقلام والقوى الأمنية الذين تواطأ بعضهم وتغاضى البعض الآخر خوفاً على انفسهم.
ولم يتوانَ الحزب عن استخدام المساجد والحسينيات ودور العبادة ومكبرات الصوت في الأزقة لدعوة الناس الى الاقتراع حتى لو ضده بغية رفع الحاصل الانتخابي، كما استخدم اموال البلديات لشراء الأصوات وتمويل ماكيناته الانتخابية وحملاته الاعلانية وتنقلات مناصريه، واستقدم البقاعيين المقيمين في ايران على نفقته للادلاء بأصواتهم، وبهذا خسرت لائحة الكرامة اثنين على الأقل من مرشحيها الشيعة.
لقد بذل الحزب بتزويره الانتخابات في البقاع آخر ذرة من مصداقيته، وتماهى بذلك مع اعتى الانظمة الديكتاتورية، كله تحت عناوين براقة ما زالت تخدع الكثيرين.
(عبير منصور)