أقفلت صناديق الاقتراع، فرزت الاصوات، أعلنت نتائج الانتخابات، لكن الامر لم يقف عند هذا الحد، في بلد اعتاد فيه البعض التعبير عن افراحهم واتراحهم بالنار، والنتيجة ضحيتان، كتب لهما ان يدفعا ثمن فاتورة الزعران، روحاهما اللتان نزعتا من جسديهما على مرأى احبابهما... هما مصطفى الاشقر ابن بلدة عين الدهب الذي قتل برصاص ابتهاج مناصري "تيار المستقبل"، وعلاء ابو فرج ابن الشويفات الذي سقط بقذيفة (بي 7) اطلقها احد المنتمين الى "الحزب الديمقراطي اللبناني" امام مركز "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي ينتمي إليه.
وكأن اللبناني لم يكتف بنهر الدماء الهادر على مدى سنوات نتيجة همجية من اعتادوا اطلاق النار في كل مناسبة محولين الأفراح إلى اتراح، والتهاني إلى مآسٍ، لا بل الاشكالات التي تتطور بسرعة ويدخل فيها اطلاق الرصاص وصلت في الأول من الامس الى استخدام القذائف من الاعيرة الخفيفة والمتوسطة، في صورة تعكس اننا في غابة يحكمها زعران، يتلاعبون بأرواح الناس غير آبهين بما تقترفه ايديهم وكم ضحية ستسقط نتيجة غوغائيتهم، وكم من القلوب ستدمى بفقدان الاحباب.
غدر قاتل
ففي الأول الامس عادت صورة الحرب الاهلية الى الاذهان بعد الاشكال الذي وقع بين "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"الحزب الديمقراطي اللبناني" والشرارة هذه المرة الانتخابات... خفت صوت القذائف بعد ان سقط علاء ابو فرج شهيداً على مذبح الوطن، "قتل ابن 32 سنة غدراً" كما قال رفيقه في الحزب، حيث شرح" الاشكال كان في منطقة اخرى في الشويفات بين الاشتراكي وامين السوقي مرافق الامير طلال ارسلان الشاب الذي افتعل اشكالا في احد اقلام الاقتراع يوم الانتخابات، تخلله اطلاق نار من رفيقين في الحزب تم تسليمهما بأمر من وليد بيك، لنتفاجأ باصابة علاء بقذيفة ( بي7 ) اثناء وقوفه امام مركز الحزب الاشتراكي في شارع لا علاقة له بالاشكال، ليسقط شهيداً على الفور، مع العلم انه لن يتم دفنه الا بعد تسليم القاتل المختبئ".
لمعاقبة الفاعل
علاء الذي كرّس حياته لخدمة منطقته، واطفاء النيران التي تحاول ان تطل برأسها فيها بعد انضمامه الى الدفاع المدني، كان جزاءه كما قال رفيقه "الموت يوم ذكرى مولده على يد ابن منطقته، فهل هكذا يكون رد الاحسان"؟ في حين قال قريبه المختار بهجت ابو فرج: "خسارتنا كبيرة، فقدنا شابا بطلا مقداماً، عريساً كان ينوي الزواج من خطيبته قريباً". مضيفاً: "ننتظر نتائج التحقيقات للاعلان عن هوية القاتل، والى الآن لم يتم تحديد موعد دفنه". وكيل داخلية الشويفات مروان ابو فرج اعلن في مؤتمر صحافي اليوم: "ندعو الى درء الفتنة، لدينا شهيد تقدم اليوم لاجل مصلحة وطنية يتحمل مسؤوليتها الفاعلون والمحرضون، الشويفات في مرحلة دقيقة لا بل الجبل في مرحلة دقيقة... اليوم نتعالى عن الدم، وباسم المشايخ ووليد بيك نعزي اهل الفقيد، هذا شهيدنا شهيد الدفاع المدني ووحدة الشويفات واهل الشويفات، اما بالنسبة للفاعل فهو مسؤول امن الأمير طلال ارسلان امين السوقي الذي كان ضمن سيارة شيفروليه داكنة الزجاج رقمها 103104" مشيراً "الفتنة بدأت منذ اسبوع عندما ارسل تسجيل صوتي تحريضي بعد اشكال حصل عندما كانوا يحتفلون باعلان اللائحة دعا خلاله المناصرين والحزبيين لاطلاق النار العشوائي على كل من يقترب من المركز او يمر على طريق الشويفات، الرسالة الثانية كانت متلفزة من داخل مركز الاقتراع في البلدية حيث ظهر كيف اعتدى على رئيس القلم وحطم الصندوق، كان الصبر والهدوء له حيثية كبيرة في ادائنا، اما اليوم ارواحنا وشبابنا ليست هبة لاحد ولا احد يستطيع امتلاكها وهذا المحرض المخرب يجب ان يعاقب وتتحمل المسؤولية الدولة اللبنانية كافة من جيش وقوى امن ومخابرات الجيش وكل مؤسسة امنيه".
عريس ولكن
من جبل لبنان الى الشمال ضحية اخرى سقطت بسبب الانتخابات، فمصطفى الاشقر (21 سنة) الذي "انهى عمله في ماكينة المرشح الدكتور طارق المرعبي يوم الاقتراع، عاد الى منزله في بلدة عين الدهب-عكار، قال لوالده انتخبت من تريده اي الدكتور طارق، طلب من والدته ان تحضر له حقيبته ليعود الى عمله. جهّز النرجيلة كانت الساعة حوالي السادسة والنصف مساء، جلس خارج البيت ليدخن حتى تحين الساعة السابعة مساء وينطلق الى جبيل حيث يعمل في احد المطاعم" بحسب ما قال مختار البلدة وقريبه فادي الاشقر لـ"النهار". لكن المبتهجين بسير العملية الانتخابية انهوا كافة مخططاته، بعد ان وضعوا حدا لحياته، برصاصة اصابت رأسه، ولفت المختار الى ان"البلدة معروفة بتأييدها لتيار المستقبل، حيث بدأ الانصار باطلاق النار قبل انتهاء عملية الاقتراع كون النتيجة معروفة، وقد شاء القدر ان تصيب احدى الرصاصات مصطفى العريس الذي ارتبط بفتاة قبل اسبوع من مقتله".
نقل مصطفى الى المستشفى لكن كما قال المختار : "وصل جسداً بلا روح الى مستشفى حلبا الحكومي، رفض والداه فكرة ان يخسراه الى الابد فنقلاه الى مستشفى اليوسف لعلّ يمكن انقاذه، لكن للاسف حتى الرصاصة التي دخلت رأسه دفنت معه اذ لم يجر له عمليه لسحبها كون لا داعي لذلك بعد وفاته"، شارحاً: "لم يرفع والده دعوى ضد احد فنحن نؤمن بالقضاء والقدر".
ضحيتان بسبب الانتخابات اللبنانية بحسب ما اكدته القوى الامنية لـ"النهار"، والسؤال ذاته يتكرر في كل مرة، إلى متى سيبقى السلاح المتفلت بأيدي الزعران؟ وإلى متى ستبقى ارواح الناس لعبة بأيديهم؟!