لم تعد مسألة مشاركة الحركات الإسلامية في الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو البلدية تطرح من زاوية جواز المشاركة أو عدمها، فمعظم الحركات الإسلامية أصبحت تشارك بفعالية وقوة في هذه الاستحقاقات الديمقراطية (طبعا باستثناء حزب التحرير وبعض التيارات السلفية، وأحيانا تتم مقاطعة الانتخابات لأسباب موضعية).
لكن السؤال الأهم الذي يطرح اليوم: لماذا تؤيد الناس الحركات الإسلامية أو تنفضّ عنها؟ وما هي المقاييس التي تعتمدها الجماهير للالتفاف حول حركة إسلامية أو شخصية إسلامية مشاركة في الانتخابات؟ ونحن نطرح هذه الأسئلة بعد حصول انتخابات نيابية في لبنان وبلدية في تونس، وعشية حصول انتخابات نيابية في العراق، والتحضير للانتخابات الرئاسية في تركيا، إضافة لما شهدناه منذ فترة من انتخابات في دول أخرى (الأردن والمغرب والسودان وإيران).
والملاحظ في هذه الاستحقاقات الانتخابية أن حجم دعم الناس للحركات الإسلامية أو للقيادات الإسلامية يتفاوت من بلد إلى بلد، أو حتى داخل البلد نفسه، وقد يتغير من مرحلة إلى أخرى حسب تغير الظروف والأوضاع.
سابقا كانت القوى والحركات الإسلامية تقدم نفسها للجماهير وللشعب بأنها "خشبة الخلاص من الظلم أو الفقر أو القهر، وبأن لديها الحل السحري لكافة مشاكلها السياسية والاجتماعية والبيئية أو التنموية"، وكان الشعار الذي يطرح إجمالا: "الإسلام هو الحل"، أو "إننا القادرون على تحقيق مطالبكم، ونحن الذي نأخذكم إلى الحياة الأفضل".
وبسبب هذه الشعارات الجميلة، ولأن الإسلاميين لم يكونوا ملوّثين بلوثة السلطة، أو كانوا مضطهدين، أو لأنهم أحيانا حققوا إنجازات ملفتة خلال توليهم المسؤوليات العامة أو قدموا بعض الخدمات للناس، فإن الناس والجماهير عمدت إلى إعطاء الإسلاميين والحركات الإسلامية وكالة عامة لتمثيلها والدفاع عنها وعن قضاياها ومصالحها.
وهذا ما حصل في تركيا سابقا مع حزب الرفاه برئاسة نجم الدين أربكان، وما يحصل حاليا مع حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، وكذلك ما حصل مع الإخوان المسلمين في مصر وعدد من الدول العربية والإسلامية، وما حصل ويحصل أحيانا مع حركة النهضة في تونس، وخصوصا أخيرا في الانتخابات البلدية، وما حصل في العراق في السنوات الماضية مع حزب الدعوة الإسلامية وبقية التيارات الإسلامية، وما جرى في حزب الله في لبنان مؤخرا، وما كان يحصل سابقا مع الجماعة الإسلامية في لبنان.
لكن الملفت اليوم؛ أن هذه الوكالة المعطاة من الناس للأحزاب والحركات الإسلامية، لم تعد مرتبطة فقط بالشعارات المرفوعة، أو بالهوية الإسلامية لهذه الحركات، أو بخطاب المظلومية والاضطهاد الذي يرفع أحيانا، بل إن الناس تندفع لتأييد حركة أو حزب إسلامي من خلال تقييمها لأداء هذا الحزب أو هذه الحركة. فكلما شعر الناس بأن هناك استجابة لمطالبهم وحاجاتهم الأساسية أو رؤية إنجازات واضحة سياسية أو اجتماعية، اندفع الناس وراء هذا الحزب أو هذه الحركة، وكلما كان الأداء سليما ونجحت الحركات الإسلامية بامتلاك العناصر الأساسية لتحقيق الانتصار الانتخابي، مع الأخذ بعين الاعتبار تغير الظروف والمعطيات الواقعية، حققت هذه الحركات انتصارات واضحة وملموسة.
وهذه الوكالة التي يعطيها الناس للقيادات والحركات الإسلامية لم تعد نهائية أو عامة أو مطلقة، بل هي وكالات محدودة بالزمان والمكان، وبطبيعة الأداء الذي يقدم، ولذا فإن نجح أو فشل أية حركة إسلامية في الاستحقاقات الانتخابية لم يعد أمرا ربانيا أو غيبيا، أو له علاقة بالمؤامرات والضغوط الخارجية، بل هو مرتبط أولا وأخيرا بمدى قدرة هذه الحركات على تحقيق حاجات الناس، ومدى امتلاكها للأدوات المناسبة لتحقيق النتائج المطلوبة.
وعلى ضوء هذه المعطيات، فإن أية حركة أو حزب إسلامي يحققان انتصارا معينا في الانتخابات (كما حصل مؤخرا مع حركة النهضة في تونس ومع حزب الله في لبنان، وما حصل سابقا في تركيا وإيران والمغرب)، فإن على قيادات هذه الحركات والأحزاب أن تدرك أن الناس أعطوها الوكالة من أجل تلبية مطالبهم وحاجاتهم، وهذا الدعم لن يكون شاملا ودائما. وفي المقابل، فإن أية حركة تفشل في الاستحقاق الانتخابي (كما جرى مع الجماعة الإسلامية في لبنان، وكما قد يحصل مع حزب الدعوة وبعض الاتجاهات الإسلامية في العراق في الانتخابات المقبلة)، فإن هذا دليل على الفشل في إدارة المعركة الانتخابية، أو رسالة من الناس لقيادة الحركة والحزب بضرورة مراجعة الأداء السياسي أو التنظيمي أو دورها في السلطة والحكم.
وأخيرا، فإن الانتخابات، سواء كانت رئاسية أو نيابية أو بلدية، أصبحت فرصة حقيقية كي تكتشف الحركات والأحزاب الإسلامية موقعها ودورها لدى الناس، وكذلك لمراجعة الأداء والمواقف والشعارات والخطابات، ومدى تفاعل الناس معها سلبا أو إيجابا.