في بلد محكوم بنظام طائفي استبدادي مثل لبنان تعتبر الانتخابات امتدادا لصراع لا يقوم على أساس ديمقراطي صحيح، بل لا صلة له بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد.
خلاصة المهرجان الانتخابي أن ليس هناك شعب موحد في مشروعه الوطني، ولا تمثيل حقيقيا لإرادة ذلك الشعب المغيب في نفق، يحول بينه وبين رؤية حقائق حياته بصورتها الكاملة.
اللبنانيون منهمكون في صراع لا يسمح لهم بالاستجابة لرغبتهم في بناء حياتهم على أسس سليمة، ذلك لأن الصراع التنافسي الذي يدور من حولهم بين الكتل السياسية هو صراع من أجل الهيمنة على القرار لا من أجل صياغة قرار وطني. لذلك فإن السؤال الذي يحرق اللبنانيون أعصابهم من أجل العثور على إجابة عليه هو “مَن يحكم؟” لا “كيف يُحكم البلد؟”.
أيا كانت نتائج الانتخابات الأخيرة، فإن الطرف الفائز فيها لم ينتصر على الأطراف المتنافسة الأخرى بل هو في حقيقته انتصر على الشعب اللبناني. ذلك لأنه سينذر فوزه من أجل تعميق الهوة بين اللبنانيين الممزقين تحت وطأة ثقل هوياتهم الطائفية. أما بالنسبة للكتل السياسية المهزومة فإن هزيمتها لن تقف حائلا بينها وبين الحصول على نصيبها الوافر من الحكومة ومجلس النواب ومؤسسات الدولة الأخرى، بضمنها الجيش والشرطة وقوى الأمن والمخابرات والمنافذ الحدودية.
في كل مرة تُجرى فيها الانتخابات يخسر اللبنانيون أصواتهم من أجل حلقة جديدة من حلقات برنامج طائفي يخرجون منه بأيد خاوية وذعر أكثر ويأس من إمكانية استعادة شيء من وهم سويسرا الشرق.
اللبنانيون الذين مسختهم الحرب الأهلية قبل أكثر من أربعين سنة هم ينتمون اليوم إلى صنف الشعوب التعيسة التي تخشى ما يمكن أن يجلبه المستقبل إليها من أخبار النحس الذي صار ملموسا هذه المرة، أكثر من المرات السابقة وذلك من خلال توسع نفوذ ميليشيا مسلحة تابعة لحزب يهيمن على القرار السياسي.
لقد احتفل ذلك الحزب بزيادة كراسيه في مجلس النواب من خلال استباحة بيروت.
نعم. أطلق حزب الله رعاعه ليقيموا استعراضات عرسهم الهمجية في مختلف مناطق بيروت استفزازا لخصومهم في اللعبة الديمقراطية الذين هم من وجهة نظر أولئك الرعاع الأعداء الذين يجب إخضاعهم، تمهيدا لتهجيرهم من لبنان الذي خُطط له أن يكون ضيعة إيرانية حسب برنامج التثقيف الذي نجح حزب الله من خلاله في غسل أدمغة المراهقين من أنصاره.
لا يهم هنا تناول مثالب الديمقراطية المشوهة والمخترقة في لبنان، فأنا لست من المؤمنين بديمقراطية المسلحين، بغض النظر عن مذهبهم أو عقيدتهم. ذلك لأن الديمقراطية خيار سلمي لا يمكن التثبت من نزاهته إلا في ظل هيمنة قانون قوي.
في ذلك المجال يمكن القول إن القانون في لبنان يعتمد على مزاج طائفي شديد التقلب. إن اعتدل ذلك المزاج يكون القانون ممكنا نسبيا، وإن تعكر فإن القانون يوضع على الرف ليحل “زعران” حزب الله المشكلة في الشوارع.
لقد فعل أولئك الزعران حسنا حين كشفوا عن الوجه القبيح للديمقراطية اللبنانية، وهو الوجه الحقيقي لحزبهم الذي حاول اللبنانيون لسنوات أن يسلوا أنفسهم بعدم النظر إليه من أجل ألا يضعوا المقاومة في مكانها الحقيقي باعتبارها جحيما.
يعزُّ على اللبنانيين أن يكتشف العالم أن مقاوميهم ما هم إلا بلطجية وقطاع طرق ووحوشا نذرت نفسها لخدمة المشروع الإيراني المتخلف.
الجزء الواعي والمتعلم من الشعب اللبناني امتنع عن المشاركة في الانتخابات، تأكيدا منه على زيف الوهم الديمقراطي اللبناني الذي صار واضحا أنه الغطاء الذي يستعمله الفاسدون من أجل شرعنة فسادهم.
وكما أرى فإن ذلك الجزء كان يرغب في تعجيل عملية الوصول إلى لحظة الحقيقة. وهي اللحظة التي يعلن حزب الله فيها عن استيلائه على لبنان. لقد استباح ديمقراطيو حزب الله بيروت بالسلاح، وتعرت الديمقراطية اللبنانية حين كشر حسن نصرالله عن أنيابه منتصرا على اللبنانيين.
فاروق يوسف