احتفالًا بولادة طفل أو بإطلالة زعيم عبر التلفزيون، بفوز مرشح في الإنتخابات أو بنجاح تلميذ في شهادة تعليمية، في مأتم شاب قتل في حادث سير أو على الجبهات، في مناسباتهم السعيدة والحزينة، يطلق اللبنانيون "الطائشون" الرصاص في الهواء كممارسة تحولت إلى ظاهرة قاتلة غير مبالين بالضحايا الأبرياء الذين يسقطون.
الرصاص الطائش
مؤخرًا، توفي شخص من آل الأشقر في بلدة عين الدهب - عكار نتيجة اصابته برصاصة طائشة في رأسه وأصيب شخصان آخران، وفي المنية سُجل اطلاق رصاص كثيف من قبل مناصري أحد المرشحين ابتهاجًا بتقدمه أثناء فرز الصناديق، أما في مخيم البداوي فقد أصيبت طفلتان سوريتان إضافةً إلى مواطنة في زغرتا.
وصولًا إلى طرابلس فقد نفذ الجيش اللبناني سلسلة مداهمات وذلك بعد عمليات اطلاق النار العشوائي حيث تمكنت الوحدات من توقيف عدد من المتورطين في منطقة الزاهرية، وتوقيف سيارتين في التبانة محملة برشاشات حربية لأشخاص يقومون باطلاق النار في الهواء ابتهاجًا بنتائج الإنتخابات النيابية.
وقد أقدم مسلحون على دراجات نارية مساء الإثنين على رفع أعلام حزبية على تمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في منطقة السان جورج، ثم انتقلوا إلى منطقة عائشة بكار حيث اعتدوا على عدد من آليات وأطلقوا النار من دون وقوع إصابات، ما أدى إلى وقوع اشكال كبير مع شبان من المنطقة.
إقرأ أيضًا: ٦ نساء في البرلمان الجديد ... هل العدد على قدر التوقعات والطموحات؟
ظاهرة إطلاق النار في لبنان
بالرغم من تسليط الضوء على ظاهرة اطلاق النار العشوائي واستخدام السلاح المتفلت، إلا أن أسماء ضحايا إطلاق الرصاص في لبنان الذين يسقطون على شرفات منازلهم أو على الأرصفة وفي الساحات والمدارس.. لا تعد ولا تُحصى حتى الدولة اللبنانية لا تملك أرقامًا في شأن هؤلاء الضحايا الذين يزدادون يومًا بعد يوم، أما مطلقوا الرصاص فلا يُلاحقون إلا نادرًا وكثيرون منهم ينتمون إلى أحزاب سياسية.
وليس مستهجنًا أن تعم هذه الظاهرة كل المناطق اللبنانية، فهواة إطلاق الرصاص ينتمون إلى كل الطوائف، وجميعهم يلتقون حول هذه العادة التي تعد تقليدًا شعبيًا والتي ترافق كل المناسبات على اختلاف طبيعتها، حزنًا أم فرحًا أم انتصارًا سياسيًا.
الجانب القانوني لإطلاق النار العشوائي
قانونيًا ان إطلاق الرصاص العشوائي يرتب مسؤوليات وعواقب نص عليها القانون، من خلال المرسوم الإشتراعي الرقم 137 الصادر عام 1959 الذي تم تعديله العام الفائت في تشرين الأول 2017، حيث شكل جزءًا من عملية الحماية، إذ يعاقب القانون مطلق الرصاص بالسجن لمدة تتراوح بين 6 أشهر و 3 سنوات، وغرامة تعادل من 8 إلى 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور، في حين أن الشخص الذي يتسبب في الوفاة جراء طلق ناري يحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات كحد أدنى، وغرامة تتراوح بين 20 و 25 مرة من الحد الأدنى للأجور، ومن العقوبات، مصادرة السلاح وحرمانه صاحبه أيضًا من حمل السلاح.
من يوقف الموت العشوائي
إن رصاص "الإبتهاج" ينهش ضحاياه، وتتسع اللائحة في كل مناسبة، من دون أن تتوقف هذه الظاهرة أو يُلاحق مرتكبي الجريمة، فلا أحد بعيد عن مرمى الرصاص الطائش، أو ربما لم تعد تصح كلمة "طائش" هنا، فهذا الرصاص يعرف طريقه جيدًا، والمسؤول عنه أيضًا معروف، فهو تركة الأحزاب اللبنانية المتوانون عن كبح تفلت السلاح وهمجيته، ومن ماتوا بالرصاص العشوائي تركوا حسرة في قلب من أحبهم ومن أصيبوا بإعاقة أو ما زالوا يصارعون في المستشفيات، ليس ثمة من يعوض عليهم معنويًا أو ماديًا، في المقابل يكمل من أطلقوا النار حياتهم بشكل طبيعي، من دون حسيب أو رقيب.
يبقى السؤال هنا: أي لذة تعتري هؤلاء المجرمين في قتل الأبرياء عشوائيًا؟