كان على جورج بولس ان يختبر آلام الظهر باكراً، كابر على جرحه وبقي صامداً حتى وجد نفسه بعد سنوات عدة في خضم جراحتين في العمود الفقري من دون نتيجة. منذ سنّ السابعة عشرة وهو يعاني من ألمٍ في ظهره، حاول مراراً التحمل ومتابعة حياته الى ان وجد نفسه عاجزاً عن تحريك قدمه مع آلام شديدة في ظهره. هكذا بدأت رحلة جورج مع الأطباء والمستشفيات والجراحة لكنه اصطدم بحائط مسدود... عجز الأطباء عن معالجة آلامه، كان أشبه بحالة طبية يائسة ومعقدة.
يروي جورج كيف بدأ كل شيء قائلاً "منذ 5 سنوات اشتد الوجع كثيراً ولم أعد قادراً على تحريك قدمي واصبحت شبه مشلولة. بعد مراجعة الأطباء لحالتي تبين خروج فقرتين من عمودي الفقري وعليّ أن أخضع لجراحة".
حالتي من سيئ الى أسوأ
لا ينسى جورج تلك الفترة، كانت من أصعب المراحل وأكثرها وجعاً. 3 أشهر في الفراش يعيش على المسكنات والأدوية من دون أن يلمس حقيقة الفرق بعد الجراحة. بعد معاناة طويلة، قرر جورج استشارة طبيب آخر، يقول: "بعدما اجرى لي الطبيب صورة الرنين المغناطيسي قرر إجراء جراحة ثانية لتثبيت العمود الفقري. لقد أجريتها فعلاً لكن لم يزل الألم بل واجهت أعراضاً اخرى زادت من حالتي سوءاً. كانت الرجفة من أكثر الأعراض انزعاجاً، فما كان علي الا استشارة طبيب جديد واجراء فحوص جديدة خوفاً من أن أكون مصاباً بالسرطان. إلا ان كل محاولاتي باءت بالفشل، لم أُشفَ من آلامي وقررتُ ان اخوض معركة اخرى مع فريق اطباء من كل الاختصاصات".
كان جورج يائساً، مكتئباً ومتعباً، لم يعد قادراً على تحمل هذا الوجع أكثر. أرهقته الجراحات دون جدوى لكنه قرر المحاولة مرة ثالثة لعلّ وعسى. وفق جورج "لقد أعيت حالتي الأطباء، لم ادع طبيباً يعتب عليّ. وبينما كنتُ اخضع لاجتماع طبي لدراسة ملفي وايجاد الحل، تبين اني اعاني من ضوط نفسية تؤثر على حياتي وان قسماً كبيراً من آلامي سببها نفسي وليس عضوياً".
لاحظت الطبيبة الموجودة أن على الأطباء ان يسلكوا اتجاهاً آخر والتركيز على الشق النفسي كما العضوي. ويشير جورج الى ان "بدأت اخضع لجلسات والحديث عن كل ما امرّ به، تحسنت حالتي بسرعة. بدأتُ ألمس تحسناً واضحاً ورويداً رويداً زال الألم. كنتُ على وشك ان اجري جراحة ثالثة في العمود الفقري لكن المصادفة لعبت دورها، وشُفيت بنسبة 80%".
مرّ جورج بظروف عصيبة انعكست على حياته الجسدية. هذه آلالام لم تكن فقط عضوية وانما نفسية ايضاً. وهذا ما يفسر عدم ارتياحه بعد الجراحتين.
ثورة طبية جديدة
يتعرض جسم الانسان أحياناً الى المعاناة من آلام واوجاع من دون معرفة السبب، وبالرغم من محاولات الأطباء اليائسة في اجتراح الحلول والجراحات إلا ان المريض يبقى يعاني دون ان يلمس نتيجة. اجتاز الطب شوطاً كبيراً في علاج الكثير من الأمراض وارتكزت بحوثه ودراساته على الكثير من الأمراض وقد كشفت ان بعض هذه آلالام ليست عضوية وانما نفسية وعلاجها يكون مغايراً للعلاج المتعارف عليه.
هذا ما يؤكده الاختصاصي في جراحة الأعصاب والعمود الفقري البروفيسور نبيل عقيص في حديثه "هدفنا مواكبة أحدث التطورات في عالم جراحة العظم وتقديم أفضل العلاجات للمرضى وخصوصاً أن المشاكل الخاصة بالعظام والعمود الفقري تتفاقم وأبرزها آلام الظهر. وهذا ما دفعنا الى انشاء "مركز علاج أمراض العمود الفقري المتعدد التخصصات" في مستشفى ومركز بلفو الطبي الذي يسعى الى تقديم مقاربة مختلفة للعلاج في هذا المجال".
الشفاء دون جراحة
وفق عقيص "نعمل على اعطاء المريض الأمل بالشفاء من دون اللجوء دائماً الى خيار العملية الجراحية. تغيرت المنهجية اليوم وهدفنا عدم ارتكاب اخطاء طبية بحق المريض وتقديم افضل رعاية صحية له لا سيما في امراض العمود الفقري. لذلك نعرض ملف المريض على فريق من الأطباء من مختلف الاختصاصات (جراحة الاعصاب، طبيب المفاصل، جراح عظم ، معالج فيزيائي ونفسي.) ودراسته لإتخاذ الخيار الأفضل سواء باللجوء الى العلاجات الطبية او علاج التحكم بالتوتر والضغط او العلاج الفيزيائي وإعادة التأهيل، تقويم العلاج وربما العلاج النفسي...".
يشدد الاختصاصي في جراحة الأعصاب والعمود الفقري البروفيسور على أهمية التأكد من حالة المريض وان يكون خيار الجراحة صحيحاً وليس قراراً اعتباطياً لن يكون له نتيجة فعالة على المريض. 80-85% من الحالات لا تحتاج الى جراحة ويمكن علاجها بعلاجات طبية بديلة في حين يحتاج 10-15% من الحالات الى الجراحة، ويكون السبب وجود ضغط في النخاع الشوكي او وجود فتق في الديسك و5-7% من هذه الحالات نقوم بتثبيت الفقرات".
بين النفسي والعضوي
برأي عقيص أن "المشكلة تكمن في أن غالبية المرضى لا يعرفون انهم يعانون ضغوطاً نفسية وتوتراً. لذلك من المهم دراسة ملف المريض جيداً وتجنيبه الجراحة إلا عند الضرورة والتأكد ان آلامه سببها عضوي وليس نفسياً.
أغلبية الناس معرضة بعد عمر معين الى آلام في الظهر وهشاشة في العظم. وتظهر الصور الشعاعية وجود مشكلة في الديسك في حين أن سبب الآلام تعود الى عامل نفسي في معظم الأحيان. لذلك يكمن دور الأطباء في التأكد من السبب المسؤول عن آلام المريض لعلاجه بطريقة صحيحة. وعندما يجمع الاطباء على ان المشكلة ليست عضوية عندها نلجأ الى علاج الضغط النفسي والفيزيائي".
ويضيف "التشخيص الخاطىء والعلاج غير المناسب يدخلان المريض في دوامة لا تنتهي، لذلك علينا ان نعرف ان فشل الجراحة وعدم ارتياح المريض يعنيان انه بحاجة لحل آخر وان سبب آلامه نفسية وليست عضوية. يعود فشل الجراحة في العمود الفقري الى فرضيتين: اما خطأ طبي او سبب نفسي لا يُعالج بجراحة وانما بعلاج نفسي".