انتقلت الاشكالات التي شهدتها بيروت إلى الجبل. كانت الاشتباكات التي اندلعت بين مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني من تداعيات نتائج الانتخابات. ما أدى إلى سقوط قتيل من مناصري الاشتراكي، بإطلاق قذيفة من قبل منتمين إلى الديمقراطي على أحد مراكز الحزب الاشتراكي في مدينة الشويفات. سارع النائب وليد جنبلاط إلى تهدئة الأوضاع وضبط الأمور على الأرض لمنع توسع الإشكال، وللجم حصول أي ردّة فعل انتقامية على ما حصل. وقد جرى اتصال بين جنبلاط والنائب طلال ارسلان، شدد فيه رئيس الاشتراكي على وجوب تخطّي مسألة الانتخابات واستمرار التفاهم في الجبل للحفاظ على الاستقرار.
رسالة جنبلاط واضحة. لا يريد توتير الجو مع ارسلان على خلفية نتائج الانتخابات. ويريد أن يبقى مستوعباً كل تحركات "الارسلانيين" كي لا يزداد الشرخ على الأرض بعدما كان محصوراً في السياسة وفي الخطابات الانتخابية. لذلك، دعا بشكل غير مباشر أنصار الديمقراطي إلى تخطّي هذه النتيجة. تدخّل الجيش لضبط الوضع، وسارع التقدمي إلى تسليم مفتعلي الإشكال إلى مديرية المخابرات. وطالب جنبلاط الديمقراطي بتسليم مطلقي النار الذين تسببوا بمقتل علاء أبو فرج. الأمر الذي لاقاه ارسلان برفع الغطاء عنهم. فيما لم يتمّ تسليمهم سريعاً.
ويؤكد وكيل داخلية منطقة الشويفات في الحزب الاشتراكي مروان أبي فرج، أنّ "الشويفات والجبل يمرّان بمرحلة دقيقة ولسنا من دعاة الاقتتال الداخلي، وسنتعالى على الدم". واعتبر أن "التجييش بدأ قبل الانتخابات النيابية. ولن نسمح بحدوث فتنة كما يتمنّى البعض". وقال إنّ "من يتحمّل مسؤوليّة ما حدث في الشويفات هو أمين السوقي مسؤول أمن الأمير طلال أرسلان".
ثمة من يشير إلى طابور خامس قد تضرر من الانتخابات، هو الذي غذّى الخلاف وعمل على إثارته وإشعاله أكثر. وهنا، يذهب بعض الاشتراكيين إلى اعتبار أن الوزير السابق وئام وهاب، ومن خلال دخوله على الخطّ واتهامه ارسلان بأنه يحمي مطلقي النار داخل منزله في خلدة، ومطالبته بتسليمهم، هي محاولة من وهاب لزرع الشقاق بين الاشتراكي وارسلان، رغم تطبيع العلاقة في ظل الخلاف السياسي والانتخابي. ووفق الاشتراكيين فإن وهاب يريد ردّ الصفعة إلى ارسلان، الذي رفض التحالف معه في الجبل، لأن وهاب يعتبر أنه لو تحالف مع ارسلان لكان قد فاز بالمقعد الدرزي الثاني في الشوف، بدلاً من النائب مروان حمادة. كل هذه الأسباب تدفع الاشتراكي إلى التعالي عن الاشكالات والعضّ على الجراح، لمنع وهاب من الاستثمار بالنتيجة التي أصابته بمقتل، وأزعجت ارسلان كثيراً باعتباره لم يدخل المجلس النيابي إلا وحيداً. فيما جنبلاط عرض عليه التحالف مقابل دخوله إلى جانب نائب ثانٍ، مع فتح باب التفاوض على النائب الثالث.
وسط التهدئة الاشتراكية، كان الشارع يغلي. وهناك من يريد التصعيد ويرفض ذلك. لكن جنبلاط تدخّل بقوة، فيما لسان حال الجمهور كان يعبّر عن ندم لترك مقعد درزي لارسلان في عاليه. ويعتبر الاشتراكيون أنه لو لم يترك جنبلاط هذا المقعد لارسلان لما تمكّن من دخول الندوة البرلمانية. وهم يتوعّدون بذلك في الدورة الانتخابية المقبلة، فيما جنبلاط يتجنّب خياراً كهذا لما سيكون له من تداعيات على وحدة الجبل.
في قراءة نتائج الانتخابات في دائرة الشوف عاليه، لا بد من القول، وفق مصادر متابعة، أن جنبلاط حافظ على أحادية زعامته، ولم يفز أي نائب درزي بدون إرادته، على عكس كل القوى الأخرى باستثناء الثنائية الشيعية. جددت الانتخابات زعامة جنبلاط درزياً وعلى صعيد الجبل. لكن أيضاً، لا بد من التعاطي مع الأرقام بجدّية أكثر. فالتيار الوطني الحر حقق تقدّما في هذه الدائرة التي كانت مقفلة في وجهه، واستطاع إيصال نائبين مارونيين في الشوف، وثالث في عاليه. فيما لا بد لجنبلاط من دراسة أرقام وهاب بعناية، خصوصاً أن الرجل حصل على أصوات تفضيلية لا بأس بها، وتخطّى فيها أرقام الوزير مروان حمادة. ما وضعه في خانة المنافس الجدّي على المقعد الدرزي الثاني. وخسارة مقعد لجنبلاط في الشوف مستقبلاً، تمثّل خسارة نصف تمثيله. لا شك في أن وهاب حصل على هذه الأصوات بفضل دعم حزب الله له، فيما هو اتهم حزب الله بالتخلي عنه لمصلحة تحالف ضمني مع جنبلاط. ولا تخفي مصادر متابعة تحميل وهاب الرئيس نبيه بري ودوره في دعم جنبلاط مسؤولية خسارته.
ولكن أيضاً، لا يمكن إغفال حصول وهاب على أصوات درزية. وهذه بفعل امتعاض داخل الشارع الدرزي من بعض التصرفات "الجنبلاطية"، إذ هناك حملات كثيرة شنّت على جنبلاط من بوابة الخدمات والإنماء. في المقابل أيضاً، كان هناك حراك لافت للمجتمع المدني في الشوف، من خلال بعض الترشيحات. وهذه كانت تعبّر عن حالة استياء، لكنها لم تجد في القوى الأخرى ملاذاً لها. هذه كلها حسابات يجب أن تفرض على التقدمي الاشتراكي الشروع في ورشة إنمائية جديدة لإعادة تعزيز دوره وموقعه وتحصين الزعامة.