منذ الإنتخابات النيابية العام 2009 واللبنانيون موعودون بقانون انتخابات نيابي جديد وحديث وعصري يلبي طموح الشعب اللبناني بأوسع مشاركة في الندوة البرلمانية.
وبعد ضغوطات دولية بعدم السماح بالتمديد الثالث للمجلس النيابي، وبعد سنوات من المشاورات ومئات الاجتماعات واللقاءات والاختلافات والمماحكات والأخذ والرد، وبعد مخاض عسير تمكن جهابذة السلطة المتحكمة برقاب البلاد والعباد من إستيلاد قانون انتخابي مسخ مختلط بين النسبي والاكثري ومطعم ببدعة الصوت التفضيلي وتشوبه الكثير من الثغرات والشوائب والتشوهات حسب ما وصفه أهل الحكم أنفسهم.
وبقي هذا القانون قاصرًا عن تحقيق آمال وأحلام الشباب اللبناني وأكد على احتكار القوى السياسية والحزبية وقوى الأمر الواقع للسلطة، وهو بالنسبة للبنانيين يتشابه وإلى حد بعيد كمن "فسر الماء بعد الجهد بالماء" أي انه لم يأت بجديد. وقد تم إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة يوم الأحد الماضي بموجبه، وجاءت نتائجها تكريس للواقع النيابي المترهل والمزري مع بعض التغييرات لجهة زيادة نواب بعض الكتل النيابية وانخفاض العدد لدى البعض الآخر من دون أن يتيح هذا القانون المجال لمرشحي المجتمع المدني أو من هم خارج منظومة مكونات السلطة، المشاركة في الحياة البرلمانية إلا في حالات قليلة جدًا.
إقرأ ايضًا: إعادة إنتاج السلطة في السادس من أيار
وفي المشهد النيابي بعد فرز الأصوات في كافة الدوائر الانتخابية وإعلان النتائج ولو بشكل غير رسمي يمكن تسجيل بعض النقاط منها أن "حزب الله" حقق في هذه الانتخابات ما عجز عن تحقيقه في الانتخابات السابقة، وهو حصوله على أكثرية النصف زائد واحد في مجلس النواب الذي تأمن له في هذه الانتخابات الأخيرة.
وقد يكون حصول الحزب على هذا العدد من المقاعد النيابية مدعاة لنشوء هواجس لدى باقي الأطراف السياسية على خلفية أن هيمنة الحزب على النواب الشيعة مع حركة أمل وعلى أكثرية نيابية سيكون دافعًا له لطرح مطالب جديدة يحتمل أن تعرقل تشكيل حكومة جديدة في غياب موافقته عليها، وقد يكون من بين هذه المطالب إيجاد وسيلة ولو بشكل غير مباشر لتشريع سلاحه. سيما وأن الحزب خاض هذه الانتخابات تحت شعار المقاومة والوفاء لدماء الشهداء، وقد عادت معادلة الثلاثية الذهبية "جيش _ شعب _ مقاومة" لتتصدر الخطاب السياسي للحزب، وبالتالي فإنه ليس من المستبعد أن الحزب وهو يمتلك الأكثرية النيابية أن يطالب بعلاقات مباشرة مع النظام السوري والتنسيق معه.
وفي سياق متصل فقد أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيد إعلان نتائج الانتخابات أن وزير المالية في لبنان "يجب أن يكون شيعيًا" إما من حركة أمل وإما من الحزب أو مناصريه، وهذا يعني عمليًا وعلى أرض الواقع أن أي قرار يصدر عن الحكومة له علاقة بصرف أموال من خزينة الدولة يحتاج إلى توقيع وزير المالية الشيعي إضافة إلى توقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير المختص.
إقرأ أيضًا: لبنان في مؤتمر بروكسل .. هل يُمهّد المؤتمر لنهاية سعيدة لأزمة النازحين السوريين؟
وبالرغم من الخطاب الهادىء لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري والذي لاقاه الأمين العام لـ "حزب الله" السيد "حسن نصر الله" في منتصف الطريق أيضًا بكلام هادىء وبيد ممدودة للوصول إلى تفاهمات سياسية، لكن من دون التطرق إلى سلاح الحزب ومصيره في ضوء الاستراتيجية الدفاعية التي وعد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بطرحها على طاولة الحوار بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة، سيما وأن الشيخ نعيم قاسم أكد أن البحث في سلاح الحزب ممنوع قبل زوال العدو الإسرائيلي، ما يعني أن سلاح الحزب أبدي سرمدي.
وكان الحزب واضحًا في رسالته التي وجهها لمن يعنيهم الأمر في تظاهرات الدراجات النارية التي تحمل أعلام الحزب والمطعمة بأعلام قليلة لحركة أمل، والتي جابت شوارع بيروت وزواريبها وساحاتها للاحتفال بفوز مرشحيه بشكل غوغائي وفوضوي واستفزازي، ومفاد هذه الرسالة أن الوقت لم يحن بعد لفتح ملف الإستراتيجية الدفاعية. ويجب أخذ هذا الواقع بعين الإعتبار عند الحديث عن سلاح الحزب.