تقول أوساط سياسية لبنانية إن فوز حزب الله وحلفائه بأغلبية نيابية في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي من شأنه أن يؤثر على عدد من القضايا والملفات الشائكة ومن بينها الاستراتيجية الدفاعية التي سبق أن تعهد الرئيس ميشال عون في مارس الماضي ببحثها بعد الاستحقاق النيابي وتشكيل حكومة جديدة.
وتشير هذه الأوساط إلى أن فائض القوة الذي بات يملكه حزب الله سياسيا وعسكريا يجعله قادرا على فرض شروطه على باقي القوى، بما في ذلك تلك المتعلقة ببحث الاستراتيجية الدفاعية، التي أظهر منذ البداية عدم تحمّسه لها، باعتبارها ستعيد الأنظار إلى سلاحه “غير الشرعي”.
وسبق أن تم في عام 2008 عقد حوار بين الفرقاء اللبنانيين لبحث استراتيجية دفاعية، وقد عرض ميشال عون الذي كان حينها رئيس كتلة التغيير والإصلاح في البرلمان اللبناني مسودة مشروع تتضمن خمس صفحات، ثلاث منها سياسية، واثنتان تضمنتا اقتراحات دفاعية منها الحصول على شبكة دفاع جوي لحماية الأجواء من الطيران الإسرائيلي، وتعميم ما أسماه بالمقاومة الشعبية المسلحة على سائر المناطق اللبنانية من الجنوب إلى الشمال.
مهى يحيى: فوز حزب الله سيسمح له بفرض شروط أفضل لتكريس دوره وسلاحه
ولم تفرز جلسات الحوار التي عقدت حينها سوى الاتفاق على جملة من المبادئ من بينها النأي بلبنان عن أزمات المنطقة (لم يلتزم به حزب الله بانخراطه في الصراع السوري في العام 2012)، بالمقابل فشلت تلك الجلسات في إيجاد حل لمعضلة سلاح الحزب.
ويرى مراقبون أن حزب الله المدعوم من إيران نجح آنذاك في تجاوز الضغوط المسلطة عليه داخليا لناحية سلاحه، فيما هو اليوم يبدو في وضع أقوى بكثير على الصعيدين السياسي والعسكري، وبالتالي فإن إلزامه باستراتيجية دفاعية تتضمن نزع ترسانته بات غير ممكن التحقيق خاصة في ظل حالة الغموض السائدة على المستوى الدولي لناحية التعاطي معه ومع راعيته إيران، وانقسام القوى المضادة له في الداخل اللبناني.
ويتخذ حزب الله من إسرائيل ذريعة للحفاظ على سلاحه، مع أن هذا السلاح وجه في أكثر من مناسبة للداخل، وأيضا لدول عربية ومنها سوريا.
وسارع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الإثنين عقب ظهور نتائج الانتخابات التي صبت في صالحه وحلفائه إلى إعلان “انتصار سياسي ومعنوي”، معتبراً أن “تركيبة المجلس الجديد تشكل ضمانة وقوة لحماية خيار المقاومة الاستراتيجي ولحماية المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة”.
وقال رئيس مجلس النواب الحالي وحليف حزب الله نبيه بري الثلاثاء، إن “النتائج أتت مشجعة للمعادلة في لبنان، التي نطلق عليها المعادلة الماسية أو الذهبية”.
وأضاف رئيس حركة أمل “إسرائيل لا تزال تحتل أرضنا في مزارع شبعا ولها أطماع تطالب بها في مياهنا وفي نفطنا وفي أرضنا”، مضيفاً “بالتالي المعادلة التي تحمي لبنان هي ليست المقاومة وحدها، الدولة والمقاومة يعني الشعب والجيش والمقاومة. هذه الانتخابات خطوة تأكيدية لهذا الأمر”.
ويعتبر محللون أن نتائج الانتخابات التي كرست هيمنة الحزب وحليفته أمل على الطائفة الشيعية، فضلا عن نجاح حلفائه من الأحزاب الأخرى والمستقلين في غير معاقله، لن تصب فقط لجهة وضع ما يسمى بالاستراتيجية الدفاعية في أدراج قصر بعبدا، بل أيضا ستمكن الحزب من تثبيت دوره وتعزيز سلاحه.
وتوضح في هذا الإطار مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى أن “فوز حزب الله في الانتخابات سيسمح له بفرض شروط أفضل لتكريس دوره ودور سلاحه في المرحلة المقبلة ليس فقط في لبنان بل في المنطقة كافة”، حيث يسجل حضوره في أكثر من جبهة وأبرزها سوريا.
ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كريم بيطار إن “قضية سلاح حزب الله لن تعود على الأرجح إلى دائرة النقاش السياسي في لبنان”، مضيفا “حتى خصوم حزب الله مثل زعيم تيار المستقبل سعد الحريري سلّموا إلى حدّ ما بالأمر الواقع”.
وبعد إقراره بخسارة ثلث المقاعد التي كانت لتياره السياسي في البرلمان (21 مقعدا مقابل 33 مقعدا في البرلمان السابق)، اعتبر الحريري أن مصلحة البلاد ليست في الدخول في مواجهة مع حزب الله. وقال إن قضية السلاح “موضوع إقليمي” أساساً.
ويعزو البعض تراجع شعبية الحريري إلى التنازلات التي قام بها خلال السنوات الماضية لصالح حزب الله، من ضمنها تخفيف الضغوط على الحزب لجهة المطالبة بنزع سلاحه، فضلا عن دعم حليف النظام السوري سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية قبل أن يقرر مجاراة حزب الله في دعم ميشال عون في إطار تسوية أوصلته إلى رئاسة الحكومة نهاية العام 2016.
ويوضح بيطار أن “شبكة التحالفات” التي سيقيمها حزب الله في البرلمان الجديد “تضمن له حق الفيتو الضمني على القضايا الكبرى”، معتبرا أن “ترسانته العسكرية لن تخضع مجدداً للمساءلة”.
ويرى مراقبون أن موقف التيار الوطني الحر (29 مقعدا) سيكون محددا رئيسيّا لطبيعة المشهد السياسي بالنسبة لحزب الله؛ ذلك أنه في حال استمر التحالف بينهما فإن الحزب سيكتسح البرلمان، ولكن إذا ارتأى التيار عكس ذلك فإن هذه الخطوة من شأنها أن تحدث نوعا من التوازن المطلوب.
ويوضح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة قائلا “بأن القضية الأساسية لحزب الله في لبنان اليوم هي ضمان مواقع في الحكومة تحمي حركته السياسية والعسكرية من دون أي إزعاج” ليس في لبنان فقط بل على صعيد المنطقة بداية من سوريا.
وسيطالب حزب الله، وفق قوله، “بحصة أكبر في الحكومة ولن يقبل بدور غير أساسي، كما (سيطالب) بتعديلات في البيان الوزاري (…) بحيث أن هذه الحكومة الجديدة تضمن حماية سلاحه” عبر الإصرار على إدراج معادلة الجيش والشعب والمقاومة ضمن البيان الوزاري.
وأصدرت السفارة الأميركية في لبنان، الثلاثاء، بيانا حثت فيه جميع الأطراف في البلاد على الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية بعد الانتخابات، في ما بدا أنه رسالة موجهة إلى حزب الله وتدخلاته في سوريا وغيرها من دول المنطقة.
بالمقابل أشاد علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بنتائج الانتخابات النيابية اللبنانية. واعتبر أن “هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة… ناتجان عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة في الحفاظ على استقلال ودعم سوريا أمام الإرهابيين”.
وتراهن إيران التي تواجه تصعيدا يهدد مكاسبها في المنطقة على حزب الله الذي يعد أحد أقوى أذرعها، وتعتبر طهران أن الأريحية السياسية التي ضمنتها الانتخابات النيابية تؤهل الحزب للاستمرار في تنفيذ أجندتها الإقليمية.