تجاوزت بيروت ليل أول من أمس شبح الفتنة بعد انفلات مجموعات من الفتية والشبان الموالين لـ «حزب الله» وحركة «أمل» في شوارع العاصمة في اليوم التالي للانتخاب بالدراجات النارية والسيارات رافعين رايات الحزبين ومرددين هتافات وشعارات استفزازية ومذهبية ضد «تيار المستقبل»، وحاولوا إنزال صور لزعيمه رئيس الحكومة سعد الحريري. وشملت الإساءة النصب التذكاري للرئيس الشهيد رفيق الحريري على الكورنيش البحري، فاصطدموا بعدد من أنصاره في بعض الأحياء، وحصلت صدامات في مناطق أخرى نتيجة الأعصاب المشدودة التي نجمت عن إعلان نتائج الانتخابات النيابية (راجع ص7).
ووجه الرئيس اللبناني العماد ميشال عون رسالة إلى اللبنانيين هنأهم فيها بإنجاز الانتخابات النيابية وقال: «بفضل نجاح اقتراعكم حقق القانون الانتخابي الجديد صحة التمثيل».
وأضاف: «لا بد من الحفاظ على يقظتنا تجاه ما يجري من حولنا، والتحديات الإقليمية المتأتية من نتائج الحروب التي أرخت بثقلها على وطننا، فيما لا رأي لنا فيها ولا دور، والتي باتت تؤثر سلباً في كل النواحي الداخلية، اجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً. وعلى رغم مسارعتنا إلى المساعدة في الوجه الإنساني، إلا أن الأثمان التي ندفعها نتيجة ذلك باتت أكبر من طاقة لبنان على الاحتمال، ما يدفعنا إلى رفع الصوت عالياً لإيجاد حل سريع يؤمّن عودة النازحين السوريين تدريجاً إلى المناطق السورية الآمنة». وأكد أن لبنان سيبقى وفياً لالتزاماته العربية والدولية، ساعياً باستمرار إلى جمع الشمل العربي.
وأعلن عون سعيه إلى «استعادة المجلس النيابي دوره الرقابي والتشريعي» كاشفاً عزمه على الدعوة إلى «حوار وطني لاستكمال تطبيق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني من دون انتقائية أو استنسابية، وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني، ووضع إستراتيجيا دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه».
وكان تدخل الجيش اللبناني في العاصمة وانتشاره مع القوى الأمنية حال دون تفاقم التصعيد في الشارع، بعد اتصالات بين الحريري والقادة الأمنيين، ومع رئيس البرلمان نبيه بري الذي دان «المظاهر المقيتة التي أساء فيها بعض الموتورين إلى حركة أمل وحزب الله وإنجازاتهما»، مؤكداً أن «أي مسّ بكرامة العاصمة وقياداتها وعائلاتها مسّ بكرامتنا وكرامة جميع اللبنانيين».
وجاءت الحوادث الأمنية بعد دقائق على دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى «أن نهدأ في خطاباتنا»، أثناء إعلانه «الانتصار» في الانتخابات، وبعد ساعتين على إعلان الحريري مد اليد للجميع بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي، فيما راحت الأحزاب الرئيسة تجري تقويماً للنتائج وترتّب كتلها النيابية مع الحلفاء. وكان «تيار المستقبل» دان «نكء جروح اليوم المشؤوم للسابع من أيار (مايو) 2008».
وبينما أفاقت العاصمة على هدوء أمس، مع استمرار وجود القوى الأمنية في المناطق الحساسة، إثر توقيف بعض المشاغبين ومنْعِ وزارة الداخلية التنقلَ بالدراجات النارية لـ72 ساعة، دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى «محاسبة كل من أخلّ بأمن بيروت واستباح شوارعها»، مشيداً بحكمة رئيس الجمهورية ميشال عون وبري والحريري والجيش والقوى الأمنية. ورأى رئيس الحكومة السابق تمام سلام أن «أعمال الشغب تشكل إساءة الى مفتعليها والقوى السياسية التي يحملون راياتها، وإهانة لبيروت وأهلها الآمنين». ودان عدد من نواب العاصمة ما حصل، واعتبر بعضهم أنه نوع من التهويل على المدينة.
ومن مخلفات حملات التعبئة الانتخابية حصول صدام بين أنصار للأمير طلال أرسلان وآخرين لـ «الحزب التقدمي الاشتراكي» في بلدة الشويفات، تطور إلى تبادل للنار وسماع أصوات قذائف صاروخية روّعت المواطنين، وسقوط قتيل وعدد من الجرحى بقذيفة على مركز لـ «الاشتراكي». وقال رئيس «الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط في تغريدة مساء، تعليقاً على انفلات الوضع: «إلى الرفاق في الشويفات والأنصار وإلى الحزب الديموقراطي، الانتخابات مرت ولنفتح صفحة جديدة، ولتكن الدولة هي الحَكَم وتحزم الأمر في الشويفات. معيب هذا الاقتتال العبثي في العائلة الواحدة». وزار وفد من «حزب الله» بلدة القليعة الجنوبية المسيحية لاحتواء ما حصل ليلة الانتخابات فيها، حين استفز موكب يرفع رايات الحزب و «أمل» الأهالي وأطلق النار في الهواء.
واعتبر بري أن «ليس هناك انقلاب في ضوء نتائج الانتخابات، وكل ما هنالك، كما في كل انتخابات، أحزاب تتقدم وأحزاب تتأخر». وأعلن رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بعد ظهر أمس، تشكيل «تكتل لبنان القوي» دعماً للرئيس ميشال عون، ويضم نواب «التيار» وحلفاءه، و «الاحتفال بالانتصار في مهرجان» قرب القصر الرئاسي السبت المقبل. وقال إن العمل جار لتشكيل جبهة نيابية واسعة. ودعا الحريري أنصاره إلى احتفال بالنصر عصر الجمعة المقبل أمام منزله، بينما أعلن رئيس لائحة «المصالحة» في الجبل النائب المنتخب تيمور وليد جنبلاط، عن «مسيرة هادئة» في المختارة الأحد المقبل، شاكراً الذين «تصدوا لمحاولات الحصار والإقصاء».
وواكبت الاستعدادات للمرحلة التالية للانتخابات التي تفرض التئام البرلمان بعد 20 أيار (مايو) لتجديد انتخاب بري رئيساً له واعتبار الحكومة مستقيلة وتصرِّف الأعمال ريثما تتشكل الحكومة الجديدة، تكهناتٌ حول عملية التشكيل وسط حديث عن شروط على الحريري المرشح الأول لتشكيلها حول ضرورة التوافق على بيانها الوزاري قبل تكليفه، وحول الحصص الوزارية والحقائب الرئيسة، الأمر الذي رفضه في مؤتمره الصحافي أول من أمس.
وتوالت التعليقات الخارجية على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، فحضت السفارة الأميركية جميع الأطراف على احترام التزامات لبنان الدولية، بما في ذلك تلك الواردة في قراري مجلس الأمن 1559 و1701، والنأي بالنفس عن الصراعات الخارجية»، بينما اعتبر مستشار المرشد الإيراني علي ولايتي، أن «تصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة ناتج من تأثير السياسات اللبنانية الراهنة في الحفاظ على استقلال سورية ودعمها أمام الإرهابيين».
ولفت إعلان غير مرشح وفريق سياسي نيته الطعن بنتائج عمليات فرز الأصوات، استناداً إلى مخالفات حصلت في الاقتراع.