ليس مستغرباً في هذه المرحلة أن نسمع سلسلة من الروايات، تتحدث عن مسار العملية الانتخابية إن كان على مستوى التحضير او على مستوى إجراءها، يقول بعضها نقيض ما يقوله الاخرون، ويروي البعض احداث وتفاصيل اقل ما يمكن ان توصف به أنها تهزأ بعقول الناخبين.
وتنطلق من فرضية ان الشعب منحاز الى هذا الطرف أو ذاك، والسياسيون يعرفون جيدًا ما يودون قوله، فبعض الكلام كان هدفه حث الناخبين على الانخراط في تأييدهم والبعض الاخر في اطار وصفه للاستحقاق الانتخابي بانه يحدد المصير والوجود ويحاول ان يمنع التصويت للاطراف الاخرى، و الاهم في ذلك لما يمكن ان يكون عليه المشهد السياسي . ففي المشهد الاول من الانتخابات كان واضحاً تماماً لجوء بعض الأطراف السياسية الى حيازة إيقونة الولاء للمرجعيات السياسية والعشائرية ويدعون جزافا تمثيلا لها، ويدّعون في الوقت نفسه بطولات لا محل لها على ارض الواقع، ويدلون بوعود هي محض كذب مارسوه في دورات سابقة واثبت عدم جدواه، لكنهم يحاولون ان يغيروا موضوعه مع الابقاء على ذات الالية في الاستغفال والتهميش.
إقرأ أيضًا: العنف والتحريض في الحملات الإنتخابية شكل من أشكال الإرهاب
والأهم في هذا حجم الخدمات المفاجئة التي هبطت دون سابق انذار على المواطنين في تجاوز حتى للصلاحيات والبيروقراطية المقيتة التي اتبعتها .العجيب في هذه الجهات طوال السنوات الماضية، لتكون أشبه بلحظة حب مفاجئ انفجرت على حين غرة، إن من تقلدوا مناصب تنفيذية وتشريعية طوال المرحلة السابقة أبقوا المنطقة خارج خارطة الوطن، الجميع لم ينطلقوا بعملهم على انهم وكلاء مؤتمنين من قبل من اولاهم الثقة بل كانوا بمثابة موظفين يمجدون بحمد ولي أمرهم، وعندما حانت لحظة الحقيقة واستشعروا بأنهم مهددون بالسقوط استنجدوا بالتاريخ واستحضروا كل مفردات الشحن المذهبي، ليكون الخطاب بعد ذلك واضحا في الاستهداف ولتكتمل مفرداته قاموا بوصف خصومهم بالعمالة والارهاب، محاولين ان ينزعوا عن خصومهم صفة الوطنية، ويلبسوهم ثياب الهزيمة ليعصبوا هزائم التاريخ في رقابهم، وهم بذلك ينطلقون من مبدأ الاستغفال ذاته، في انهم ذات لحظة وتحديدا في مرحلة ما قبل الاعلان عن الاستحقاق، او في مراحل سابقة كانوا الجميع شركاء في حجم الخراب وما آلت اليه احوال المنطقة. ففي تلك الحال كانت أسهم الفشل موزعة على الجميع والكل شريك، لكن الغريب ان يتناسى هؤلاء تداعيات تلك المرحلة وكأنهم ولدوا لتوهم، وقد غفر لهم ما تقدم من فشل، ومن جملة ما يمكن ان يكون عليه الامر ان مرجعياتهم السياسية تدعمهم وتوغل في تقديم المزيد من الوعود، كما ان ما يقصد من حديث انما هو دلالة واضحة في القصد على أن المرحلة السابقة كانها لم تكن قائمة، وكأن الناس غابت عنهم فصاحة الحديث في الاعلان المباشر عما يريدوه، ويتناسى الجميع ان شأن المنطقة في تحديد الاولويات وبيان الكليات التي تحدد مسار واتجاه العمل، وان الادعاء بتأييد النهج على حساب انماء المنطقة ما هو الا محض افتراء على الواقع ، قد يكون السياسيون اكثر براعة وحرفة في رسم استراتيجيات المستقبل ومرحلة ما بعد اعلان النتائج الانتخابية، فهم تحسبوا لما يمكن ان تؤول اليه النتائج وثمة سيناريوهات معدة مسبقا لاي شكل يمكن ان تكون عليه تلك النتائج، ولا اكثر دلالة من ذلك الا المشهد الذي بدى واضحا عندما بدأوا يستشعرون النتائج التي تعطي ما يشبه بالانذارات المبكرة لتحقيق خرقاً مؤكداً لخصومهم، فالنتائج التقديرية التي اعلن عنها انها تمثل خسارة لهم و كانت تشير بوضوح الى ذلك، ما يمكن ان يقال في النتائج الانتخابية انها لم تكن في مصلحتهم على الرغم من ان هذه القوى تملك دون شك القدرة على اختراقها والتلاعب في مخرجاتها.
إقرأ أيضًا: حتى لا نبقى ضحايا الصحوة المزعومة
حينها استعانت تلك القوى وبشكل لا يقبل الشك بالدعوة للناس للتجمع امام مراكز الاقتراع وهذا ما يمكن اعتباره تعدياً فاضحاً على القانون . الأمر الذي يمكن ان يكون مقدمة للطعن امام المجلس الدستوري. لكن الاهم ان تلك القوى كانت ستجد بأنماط الخطاب الذي استخدمته ويمكنها استخدامه في كل حين مساحة مناسبة لمعاودة تكرار مفرداته في مراحل لاحقة، لتبرير الفشل او الاهمال، عموماً وبعد أن انجلى غبار المعركة الانتخابية نعتقد بانه من المفيد جدا ان تتضافر الجهود من أجل تجاوز مرحلة الانتخابات والعمل على فتح صفحة جديدة يكون العنوان الاساس فيها وضع برنامج عمل يهدف الى تحقيق ما يعود بالايجابية على المنطقة واهلها، أما بالنسبة الى موضوع الطعن والربح والخسارة فهذا امر متروك الى اصحاب الاختصاص .
وفي الختام يمكن تسجيل الاستنتاج التالي، انه لا أحد في هذه البلاد يمتلك أخلاق الفرسان في الإعلان عن هزيمته، كما ليس هنالك مجتمع يمكن ان يتقبل الهزيمة. الذاكرة الشعبية لا تحترم سوى القوي بعيدا عن الكيفية والآلية والأسلوب الذي تمكن من خلاله نيل مبتغاه. واليوم أمامنا متسع من الوقت للعمل والتحضير وغداً لناظره قريب.