أسبوع واحد فقط يفصلنا عن موعد انتخاب نواب الشعب العراقي في البرلمان الجديد القديم. ويحلو لأصحاب الائتلافات والقوائم الكبيرة، ولأصحاب بعض القوائم الصغرى أيضا، أن يسموا ذلك الموعد بالعرس الديمقراطي، إما عن جهل بأصول الديمقراطية، أو عن خبث وتضليل مقصود.
فالانتخابات، أية انتخابات، حتى لو كانت نزيهة ونقية وغير ملوثة، وغير مخترقة، وغير مقررة نتائجُها سلفا، ليست ديمقراطية يحق لهم أن يباهوا بها الأمم التي لا تَنتخب.
فللديمقراطية لوازم وشروط وطقوس، وأصول أخرى لا توجد في العراق اليوم، ولن يكون لها وجود في المدى المنظور، ما دام لدينا تجار سياسة لا يرون التخابر مع الأجنبي، والقبض منه، والعمل بإمرته وبشروطه ووصايته، وحمل جواز سفره، جرما مخلا بالشرف ينبغي أن يُعاقب عليه.
إن المعلن رسميا أن 320 حزبا سياسيا وائتلافا وقائمة انتخابية تتنافس في انتخابات العراق القادمة، بسبعة آلاف و367 مرشحاً.
وهنا نسأل، كم يبلغ عددُ العراقيين بين آلاف المرشحين المكلفين من دولة مجاورة أو غير مجاورة، والممولين من جهاز مخابرات عربي أو أميركي أو أوروبي أو آسيوي أو أفريقي، والقادرين على دهس المرشحين الذين لا تحميهم دولة، ولا يمولهم جهاز مخابرات، والمتمرسين بمهنة إغراق الوطن، ومحاصرة المواطن باللافتات والمعلقات والمهرجانات والحفلات والزيارات والإكراميات والوعود؟
نعم هناك بين الآلاف من المرشحين عراقيون شرفاء صادقون وأصحاب سجلات نظيفة غير ملطخة برشوة أو اختلاس أو استغلال وظيفة أو عمالة، ولكنهم لا يكادون يُرون بالعين المجردة.
ومن متابعة ما يجري هذه الأيام استعدادا ليوم الفصل يمكن أن نتبين أن عراق ما قبل الانتخابات باق على حاله، وأن اللاعبين الكبار على الساحة العراقية باقون في مواقعهم، سواء كانوا خلف الستار أو أمامه، مع تغيير سطحي في بعض وجوه الأتباع والمجندين لخدمة هذا الزعيم وذاك، ومواقعهم وشعاراتهم.
فلا إيران وأحزابُها الشيعية الحاكمة ستقبل بمنح رئاسة الوزراء ووزارات معينة سيادية ومواقع أخرى حساسة لأحد من خارج وكلائها المؤتمنين.
وأميركا، هي أيضا، ومعها حلفاؤها العراقيون والعرب والأوروبيون، ليست في وارد إلقاء سلاحها، وترك الجمل بما حمل لإيران العراقية.
ورغم أن إيران لن تفرح كثيرا إذا ما فاز حيدر العبادي وسقط نوري المالكي وهادي العامري فهي، في الوقت نفسه، لن تغضب ولن تعلن الحرب عليه، وذلك لمعرفتها بأنه أحد أبنائها الذين أرضعتهم وأحسنت تعليمهم، وشكلت ثوابتهم العقائدية العريقة.
وسبب آخر. إنها تعلم بأنه يعرف أن عظمه الطري لا يحتمل غضبها عليه، ثم من قال إنه نسي أو يمكن أن ينسى فضلها الكبير عليه، إذ لولا موافقتها ما كان مقدرا له أن يذوق طعم السلطة والوجاهة والقوة والنفوذ.
كما أن أميركا وحليفاتها، من جهة أخرى، لن تغضب إذا ما جاء مرشح تسوية جديد، أيا كان، حيدر العبادي أو غيره، حتى وإن كانت لإيران عليه خصاصة. وذلك لأنها ستملك نصف الكأس الممتلئ من العراق، أملا في أن تستعيد امتلاكه، كله، في يوم من الأيام.
ولأن هذا هو المأزق الحقيقي الذي يحكم الساحة السياسية العراقية اليوم فإن المتوقع أن تبقى سفينة عراق ما بعد يوم السبت القادم أمدا طويلا بلا حكومة فاعلة، إلى أن تتوصل القوى المتشابكة في العراق، محلية وإقليمية وعربية ودولية، إلى صيغة توافق على توزيع الحصص والمناصب والمكاسب والرواتب.
وستعود اللعبة ذاتها من جديد، بين أصحاب العملية السياسية المفصَّلة على مقاس كل واحد منهم، بالقلم والمسطرة والفرجار. وستعود الجماهير الغاضبة إلى التظاهر والاعتصام. ولكن دون مجيب.