على وقع ارتفاع منسوب التوتر الإقليمي، يستبق الرئيس الأميركي دونالد ترامب موعد 12 أيار لانتهاء تعليق جزء من العقوبات الأميركية ضد إيران بفعل الاتفاق النووي، ليقول كلمته اليوم، كاشِفاً عن القرار الذي سيتخذه السبت المقبل، علماً بأنّ البيت الأبيض ظل متكتِّماً على ما سيكون عليه القرار الأميركي. وأمس، غرّد ترامب على حسابه في موقع «تويتر»، معلِناً أنه سيبوح بموقف من الصفقة النووية مساء اليوم الثلاثاء، يحدد فيه بقاء الولايات المتحدة في الاتفاق من عدمه.
لا شيء في المؤشرات السابقة لكلمة ترامب يوحي بتجاوب الأخير مع ما قيل عن «الوساطات الأوروبية»، لتبقى رغبته السابقة في «تمزيق الاتفاق» مرجّحة. يسير ترامب في وجهته التصعيدية، بما يوحي بحصر الخيارات أمامه بقرارين؛ إما الإعلان الصريح عن الخروج من الاتفاق، أو عدم التوقيع على تعليق العقوبات، أي إعادة الإجراءات العقابية ضد إيران، مع عدم إعلان الخروج، ما يعني خروجاً ضمنياً بصورة غير مباشرة، على الأقل بالنسبة إلى طهران التي تعتبر عودة العقوبات انقلاباً على الاتفاق. سيناريوان كانت مصادر في البيت الأبيض تحدثت عنهما قبل أيام. وأياً يكن قرار ترامب، سيكون المشهد أمام تعقيد أكبر، عنوانه تفجّر التوتر على خط واشنطن ـــ طهران، واستعادة لأجواء ما قبل الاتفاق.
وفي وقت يسير فيه ترامب في خياره التصعيدي، ومعه كل من تل أبيب والرياض، ينحسر الموقف الأوروبي الداعي إلى التريث والأخذ بحلول بديلة. آخر المحاولات الأوروبية قادها وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، الذي لم يخرج برد إيجابي من واشنطن، حاله حال كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وقد بدا جونسون هو الآخر «متفهِّماً» هواجس ترامب، في محاولة لإقناعه بتأجيل الخروج من الاتفاق ريثما تُعدُّ «خطة بديلة». وجَهِد الوزير البريطاني في واشنطن، كما بدا في تصريحاته قبيل لقائه نظيره الأميركي مايك بومبيو، ثم نائب الرئيس، مايك بنس، للتعبير عن تمسّك أوروبا بالاتفاق، بالقول: «نعتقد أننا يمكن أن نكون أكثر تشدداً مع إيران، وأن نتعامل مع قلق الرئيس (ترامب)» من دون التخلي عن الاتفاق.
ما حمله جونسون في جعبته هو نسخة مطابقة لمبادرة ماكرون في مضمونها، والتي تبنّتها شريكتا باريس في الترويكا الغربية: لندن وبرلين، أي العمل على صياغة «اتفاق جديد» شامل إقليمياً، يراعي «العيوب» في الاتفاق الحالي من وجهة نظر ترامب. وعلى الرغم من أنه لم يخرج، أمس، ما يؤكد نجاح ماكرون في آخر محاولة أوروبية مع ترامب، يبقى أمام المراقبين سيناريو واحد ربما يسمح بإفساح المجال أمام المبادرات الأوروبية، وهو إعادة العقوبات من دون التخلّي عن كامل الاتفاق، وربما التلويح بإضافة عقوبات جديدة أشارت إليها وزارة الخزانة الأميركية في وقت سابق.
إلا أن تجنّب مخاوف «التصعيد في الشرق الأوسط» كبديل يحلّ محلّ الاتفاق، بحسب ما حذر منه وزير الخارجية الألماني، لن يكون متوافراً مع سيناريو خروج ترامب اليوم بقرار يعتمد على العقوبات، إذ إن طهران تدرك أن الموقف الأميركي ينصبّ على ملاحقة الدور الإيراني في المنطقة العربية، وهو جوهر موقف ترامب وفق ما يرى الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال إن «قرار واشنطن البقاء في الاتفاق أو انسحابها منه يهدف بالدرجة الأولى إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة». موقف يعني بالضرورة أن القرار الأميركي اليوم سيحدّد ضمناً معالم التصعيد في المرحلة المقبلة، وبالتالي طبيعة الرد الإيراني الذي يرفض تكبيل يد طهران إقليمياً أو إعادتها إلى زمن الحصار الاقتصادي، فضلاً عن تقديم تنازل في برنامجها الصاروخي.
أما الرد على المقلب الإيراني فيبدو متناقضاً حتى حينه، بين موقف «متشدد» يتبنّاه مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، الذي يكرر القول إن الرد على خروج ترامب سيكون بخروج طهران من الاتفاق، وبين موقف أكثر براغماتية عبّر عنه روحاني، ترك فيه الباب مفتوحاً على إمكانية بقاء بلاده في الاتفاق رغم خروج واشنطن، في حال حقّق باقي الشركاء «أهداف إيران» من الصفقة، وهو ما يشكل رسالة إلى الأوروبيين بإمكانية إنقاذهم للاتفاق إذا لم ينصاعوا للتصعيد الأميركي. وفي الحالتين، يتفق الإيرانيون على ضرورة اتخاذ خطوات رداً على التصعيد الأميركي، قد تكون الحسابات الاقتصادية العامل الأكثر تحديداً لطبيعتها.