تحتاج الإنتخابات النيابية التي حصلت يوم الأحد الماضي إلى العديد من القراءات والدراسات للأرقام والنتائج التي حصلت جرّاء القانون النسبي الذي إعتمد لأول مرة في تاريخ لبنان يوم ٦ أيار ٢٠١٨.
لكن كعادة كل إنتخابات تجري في بلاد الأرز ، تتجه الأنظار دائما نحو الشارع المسيحي كونه الأكثر تنوعا لجهة الشخصيات السياسية والأحزاب والمستقلين في البلد ، ما يسمح بخلق جو ومعركة إنتخابية حقيقية .
ما أفرزته هذه الإنتخابات على الصعيد المسيحي هو صادم بكل المعايير ، فحزب القوات اللبنانية إستطاع الفوز ب ١٥ مقعدا نيابيا دون منّة من أحد وبأصوات مسيحية صافية ، وهذا العدد مُرشّح لأن يكون ١٦ في حال فوز مرشّح القوات بعكار .
ومقارنة بالتيار الوطني الحر ، تظهر المفاجأة الكبيرة ، فلم يعد بإستطاعة وزير الخارجية جبران باسيل القول بأنّه الأقوى مسيحيا ، ولا يُمكنه التصرف بأنّه التيّار القوي العابر لكل المناطق اللبنانية ، كون النتائج تُبيّن عكس ذلك .
فكتلة التيار الحالية لا تتجاوز ال ٢٠ نائبا ، وهناك ضياع حتى الآن بين من هو منتسب للتيار أو مقرّب له ، وهذا الضياع مقصود من قبل القيمين على التيار لإخفاء الفضيحة التي حلّت .
لذلك ، لجأ باسيل إلى تشكيل تكتل " لبنان القوي " وهو الوريث الشرعي لتكتل " الإصلاح والتغيير " ويتراوح عدد أعضائه بين ٢٧ و ٢٩ ، أي بزيادة نائب واحد فقط عن التكتل القديم ، وهو عُرضة للنقصان في الساعات المقبلة في حال قررت بعض الشخصيات عدم الإنضمام إليه.
إقرأ أيضا : بالأسماء: الفائزون في الانتخابات النيابية
ومقارنة مع كتلة القوات ، فإن التيار لا يُمثِّل حاليا الأكثرية الشعبية في الشارع المسيحي ، الذي أصبح نبضه رسميا وبلغة الأرقام بيد القوات اللبنانية .
وبجولة سريعة داخل المناطق المسيحية ، نرى أن نواب القوات الفائزون إستطاعوا تصدّر لائحة المنتصرين بمعظم الدوائر كما هو الحال في جبيل عبر المرشّح زياد حوّاط.
وفي كسروان ، حلّ مرشّح التيار ذات الرمزية السياسية والرئاسية في الدائرة شامل روكز في مراتب متأخرة ، مقابل تقدّم كبير لمرشّح القوات شوقي الدكاش ، حتى أن من تصدر لائحة المنتصرين هو نعمت أفرام غير المنتسب للتيار ، وكسروان هي معقل الموارنة في لبنان والشرق.
وفي زحلة إستطاعت القوات الحصول على حاصلين بالتحالف مع الكتائب ، أي بأصوات مسيحية صرف ، مقابل حصول التيار على حاصلين بالإعتماد على تحالفه مع تيار المستقبل الذي حصل على حاصل .
في البترون ، إستطاع الوزير جبران باسيل تصدّر لائحة المنتصرين ، تلاه مرشّح القوات فادي سعد بفارق بسيط إذا ما قورن بحجم الإمكانيات التي سخّرها باسيل في المعركة .
أمّا في بعبدا ، فقد حلّ مرشّح القوات بيار بو عاصي أولا بين النواب المسيحيين بالصوت التفضيلي.
كذلك حققت القوات إنتصار كبير في بعلبك الهرمل عبر مرشّحها أنطوان حبشي.
إقرأ أيضا : القانون في وادٍ... والناخبون في آخر...
وإذا قارنا كتلة القوات بأكبر كتلة في البرلمان وهي كتلة المستقبل ( ٢١ نائبا ) نجد أن الفرق لا يتجاوز ال ٦ مقاعد ، ما يعني أن القوات أصبحت اليوم وأكثر من أي وقت مضى رقما صعبا في المعادلة الوطنية ودخلت نادي الكتل النيابية الكبيرة.
وعليه ، فإن القوات اللبنانية إستطاعت إكتساح الشارع المسيحي والحصول على كتلة نيابية بأصوات مسيحية وتحالفات منطقية ومتجانسة وخطاب سياسي موحّد بعيد عن الطائفية والمذهبية والمناطقية التي إعتمدها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في جولاته الإنتخابية .
وهذا الإنتصار القواتي يسمح لها بفتح قنوات إتصال جديدة في لبنان كانت مغلقة سابقا ، ويُعزّز من حضورها أكثر في الساحة الوطنية ، بعد أن أثبتت قوتها المسيحية بخطاب إنتخابي غير طائفي وأداء غير مُستفّز للآخر .