ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله والعمل بوصيته عندما قال: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}. والتقوى تعني أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، تعني أن لا تحرك يدا أو سلاحا، أن لا تنطق بكلمة، أن لا تتخذ موقفا، أن لا تؤيد، أن لا تعارض، حتى تعلم أن في ذلك رضا لله، التقوى تعني أن تخشى الله، ولا تخشى أحدا سواه.
أن نتقي الله يعني أن نتقيه في عباده وبلاده، كما قال أمير المؤمنين: "اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون". ونحن لن نخسر مع التقوى بعدما وعد الله وقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}، وقال: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}. فلنبادر إلى التقوى، حتى نكون أكثر وعيا ومسؤولية وقوة وقدرة على مواجهة التحديات".
أضاف: "والبداية من لبنان، الذي يدخل بعد أقل من 48 ساعة في حمى الانتخابات النيابية التي ستتيح للبنانيين فرصة اختيار ممثليهم الحقيقيين في الندوة البرلمانية بعد طول انتظار. ونحن أمام هذا الاستحقاق، نعيد دعوة اللبنانيين إلى أن يرتفعوا إلى مستوى هذا الحدث والتحديات التي تواجه وطنهم في الداخل أو الخارج، وندعوهم إلى أن لا يكون اختيارهم لممثليهم ولمن سيحملون المسؤولية عنهم ارتجاليا، أو صدى لانفعال أو حماس، أو نتيجة خطاب وكلام معسول أو وعود لا تسمن ولا تغني من جوع، أو لاعتبارات ومصالح خاصة، أو لإغراء مالي، وما أكثر الإغراءات المالية التي تسعى وستسعى لتشتري الضمائر والنفوس.
إننا ندعو اللبنانيين إلى أن يأخذوا في الاعتبار أن الورقة التي يضعونها في صندوق الاقتراع ليست ورقة عادية، هي ترسم مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ومستقبل وطنهم لأربع سنوات قادمة، وقد تكون أكثر، فبها يعطون توكيلا مطلقا لمن ينتخبونهم، وهذا التوكيل ليس توكيلا عاديا، هو يتضمن إعطاءهم الحرية في إصدار القوانين والتشريعات، وفي اختيار من يتولون مواقع المسؤولية، وفي الرقابة على الحكومة ومحاكمة أدائها، وفي أسلوب معالجة قضاياهم وإزالة همومهم، وكما لا يعطي أحد توكيلا لأحد في قضاياه الخاصة وأعماله إلا بعد دراسة، وبعد التأكد من أنه لن يخون أمانته وسيقوم بواجباته تجاهه، لا بد من أن يكون التأني أكبر في إعطاء الوكالة لمن يقرر مصيره ومصير الوطن".
وأردف: "هم يتحملون مسؤولية القرارات التي يتخذونها، إيجابا عندما تكون القرارات إيجابية، وسلبا عندما تكون سلبية، وهذه المسؤولية هي مسؤولية أمام الله الذي سيسألنا عن نتائج أي قرار نتخذه، قبل أن تكون مسؤولية تجاه وطننا ومستقبل أبنائنا.
لذلك، دعونا وندعو إلى التدقيق جيدا في أي خيار نتخذه، أن ندرس من ننتخبه، أن ندرس تاريخه ومدى صدقه وأمانته وإخلاصه للمسؤولية التي سيحملها في حفظ الوطن وقوته، حتى لا يخدعنا أحد، أو نلدغ من جحر مرتين، أو نكرر الأخطاء والتجارب.
إننا لسنا حياديين بين من يريد الخير لصالح البلد وقضاياه الوطنية، ومن يريده بقرة حلوبا لمصالحه أو لمصالح الآخرين، ممن لا يريدون خيرا بهذا البلد. ومن هنا، دعونا وندعو إلى مشاركة فعالة وحضور قوي في هذا الاستحقاق".
وتابع فضل الله: "لقد اعتدنا في هذا البلد أن نكثر الانتقاد، ونداري ونجامل عند اتخاذ المواقف، فلنعكس الأمر بأن نقلل الانتقاد ونقف الموقف القوي الذي نتجاوز فيه كل حساباتنا الخاصة، لحساب وطن نريده أن يكون عزيزا قويا حرا خاليا من الفساد والمفسدين، ومن المستثمرين في مصائر الناس ومستقبلهم، أو من يريدونه أن يكون بقرة حلوبا لهم.
وفي هذا الوقت، ندعو كل القوى السياسية إلى أن ترأف بهذا الوطن، أن لا تكون الساعات المتبقية فرصة لها لتفرغ مخزونها من الشحن الطائفي والمذهبي والمناطقي والعشائري وإثارة التهم والتخوين بحق شركاء الوطن أو الطائفة، ما يهدد الوحدة داخل كل طائفة، أو بين الطوائف والمذاهب، ويهدد الوحدة الوطنية أيضا، فلا ينبغي لأجل الوصول إلى مقعد نيابي أو لحماية موقع موجود، أن نجعل البلد في مهب رياح الفتنة، أن نهدد الوحدة بكل عناوينها، أو نحدث جروحا في الداخل قد لا تندمل بسرعة كما نعتقد.
لقد قلناها سابقا، ونقولها الآن، إن الانتخابات نعمة وفرصة للتغيير ولتجديد الدم في عروق الوطن، فعلينا أن لا نحولها إلى نقمة لتزيد البلد جراحا".
وقال: "في مجال آخر، ومع انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، الذي لم ينعقد منذ فترة طويلة، ومع ما رافق دورته ال23 والمقررات الصادرة عنه من ردود فعل، فإننا نتوجه إلى كل فصائل المقاومة الفلسطينية، وكل الحريصين على القضية الفلسطينية، أن يكون شعارهم الوحيد في هذه المرحلة هو الوحدة، بالنظر إلى حجم المؤامرة الهائل الذي يستهدف الشعب الفلسطيني وقضيته بالكامل.
إننا نقول للجميع: إن الوقت ليس وقت تخوين واتهامات من هنا وهناك، والمرحلة هي أخطر بكثير من أن تغدو القضية بمجملها محل مساومات، فالعالم كله يترقب الثاني عشر من الشهر الحالي، لا من حيث كونه الموعد الذي ستنتقل فيه السفارة الأميركية إلى القدس فحسب، بل لأن هذا الموعد يراد له أن يكون الخطوة الأولى لإنهاء القضية الفلسطينية، ما يستدعي وحدة فلسطينية داخلية، وبذل كل الجهود لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، لئلا تغرق في متاهات الخلافات الداخلية.
ونصل إلى الاتهامات التي صدرت عن رئيس وزراء العدو الصهيوني، وأشارت إلى وجود وثائق تزعم بأن إيران تخفي برنامجا للأسلحة النووية منذ سنوات عن أنظار المجتمع الدولي في محفوظاتها النووية السرية.
إننا أمام هذا الادعاء، لا بد أن نتوقف عند ملاحظتين: الملاحظة الأولى هي الفبركة التي اعتدناها من هذا العالم، والتي كان شاهدها الأبرز العراق، حيث عرضت سابقا مثل هذه الوثائق، ثم تبين أنها مزورة ومفبركة، ما يجعلنا لا نصدق مثل هذه الأخبار أو لا نسارع إلى تصديقها، أما الملاحظة الثانية، فهي أن هذا الاتهام يصدر عمن يملك ترسانة نووية وأكثر من مائتي صاروخ نووي.
إننا لا نرى في هذا الاستعراض إلا تبريرا لقرارات قد تتخذ بحق الجمهورية الإسلامية، وتمهيدا لضغوط تمارس عليها ورغبة في خلق أمان أوسع للكيان الصهيوني".
وختم فضل الله: "لا بد من أن نتوجه في السادس من أيار، في عيد الصحافة، بالتهنئة إلى الصحافيين وكل الذين يمارسون مهنة الإعلام، هذه المهنة التي إن أحسن العاملون بها دورهم في أدائها، فهي تساهم في إصلاح واقعنا وإن أخفقوا في هذا الدور أو أساؤوا إليه، وجعلوا نفسهم رهائن لأصحاب المال والسلطة، فسيجلبون المعاناة للجميع.
هناك من يقول إن الصحافة هي السلطة الرابعة، لكننا نقول إن الصحافة هي السلطة الأولى، وهي القادرة على قلب المعادلات وتغيير الواقع، من صحافة مخلصة واعية ومسؤولة إلى بناء مجتمع واع ومخلص ومسؤول".