ينص إعلان "ويندهوك" التاريخي الذي نظّمته منظمة اليونسكو في 3 أيار 1991على المبادىء التالية:
- لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرّة ومستقلّة وقائمة على التعدّدية.
- ضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقًا سريعًا ودقيقًا.
- الاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة.
- تقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم.
- الدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تشن على حريتها.
- الإشادة بالصحافيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم، وغيرها من المبادىء...
إنطلاقًا من هذه المبادىء تُطرح الكثير من الأسئلة عن مدى تطبيق هذه المبادىء، وهل فعلاً هناك حرية للصحافة لاسيما في الدول العربية عامةً، ولبنان خاصةً؟
واقع حرية الصحافة في يومها العالمي
يحتفل العالم في الثالث من شهر أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، كيومًا للإعتراف بحقوق وحرية الصحافيين جراء ما كانت ولازالت تواجهه الصحافة من انتهاكات لحق الحرية في التعبير، وكذلك كمناسبة للتذكير وتكريم العديد من الصحافيين الشجعان الذين آثروا الموت أو السجن في سبيل تزويد الجمهور بالأخبار اليومية.
لكن منذ عام 1990 لقي أكثر من 2500 صحفي مصرعهم، وتُحذر منظمات حقوقية في مجال الإعلام من اتجاه متزايد نحو استهداف الصحفيين لما يقومون به، وعام 2018 حصدت وفيات الصحفيين 32 قتيلاً بحسب الاتحاد الدولي للصحفيين.
حرية الصحافة في الدول العربية ولبنان
تعتبر حرية الصحافة في العالم العربي، مقيدة تبعًا للأنظمة السياسية فيها، حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط هبوطًا كبيرًا في حرية الصحافة في السنوات الأخيرة، "فمن أصل 19 دولة في الشرق الأوسط 2% فقط من شعوب المنطقة يتمتعون بصحافة حرة، و16% يتمتعون بصحافة حرة جزئيًا، و79% يعيشون في بلدان لا يوجد فيها حرية صحافية" وفقًا لتقرير حرية الصحافة العالمي.
وتعتبر حرية الصحافة غير موجودة نسبيًا في أي من بلدان العالم العربي، لأنها تعتمد على النظام الديكتاتوري، ومعظم وسائل الإعلام تابعة للدولة تحت ما يسمى بـ"الإعلام الرسمي"، مثل: دول الخليج ومصر وسوريا والعراق، أو مملوكة للدولة ولأحزاب المعارضة الرسمية مثل: دول المغرب العربي واليمن والسودان وموريتانيا.
وحتى في لبنان، ورغم أنه من أكثر الدول التي تتمتع بالحرية والليبرالية في المنطقة، إلا أن جميع وسائل الإعلام كانت وما زالت مملوكة لجماعات ضغط سياسية ودينية، وممولة من دول أخرى كدول الخليج العربي أو إيران.
وفي كل هذه الدول العربية، وبالرغم من أن إعلامها كان يمول من أموال دافعي الضرائب أو من خزائن الدولة، لم يكن إعلامًا عموميًا يقدم خدمة عمومية، إنما كان وما يزال إعلامًا رسميًا يخدم الدعاية الرسمية للأنظمة أو الأسر الحاكمة.
لماذا تراجعت حرية الصحافة في لبنان؟
لازال لبنان يتمتع بهامش من حرية الصحافة مقارنةً بالدول العربية، إلا أن تلك الحرية تتراجع، وأحد الأسباب لهذا التراجع وفق ما ذكرت منظمة "مراسلون بلا حدود" هو التأثّر بأوضاع المنطقة لاسيما خلال الأزمة السورية منذ عام 2011، حيث "أخذت الحكومة اللبنانية تتعاون إلى حدّ ما مع النظام في دمشق لمطاردة الصحافيين والمدوّنين المعارضين السوريين على أراضيها، عدا عن خطف واختفاء معارضين وناشطين في لبنان" وفق ما ذكرت المنظمة.
وجاء في تقرير المنظمة أن "لبنان هو في فئة الدول التي تعاني فيها حرية الصحافة من مشاكل حساسة".
وفي الواقع يعاني الكثير من الصحافيين في لبنان من عمليات قمع من قبل السلطة، وعلى سبيل المثال ما حصل مع الصحافي الإستقصائي رياض قبيسي عام 2013 بعد تعرضه للضرب والشتم وصولاً إلى الإعتقال من قبل الجمارك على أثر توليه التحقيق في ملف معين.
وهذه الإنتهاكات مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، وآخرها ما تعرض له الإعلامي مارسيل غانم في الفترة الأخيرة، وذلك بعد استضافته (أثناء حلقة برنامجه السابق "كلام الناس" على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال) لضيفين سعوديين تهجما على السلطات اللبنانية في الوقت الذي أفسح فيه غانم المجال لرئيس مجلس النواب الأسبق ايلي الفرزلي للرد عليهما، فسرعان ما تحرك القضاء لمساءلة غانم، ورفع دعوى ضدته...
وما جرى بحق غانم مرفوض وهو بحد ذاته مس بالحريات الإعلامية وحرية الصحافة اللتان تشكلان ركنًا من أركان حرية التعبير في دولة ديموقراطية مثل لبنان، حيث كُرست هذه الحرية في مقدمة الدستور اللبناني ونصت على أن "لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد..."
لكن للأسف هذا القانون ما عاد يُطبق، وأصبحت حرية الإعلامي في لبنان مقيدة مثلها مثل أي إعلامي وصحافي في الدول الاخرى.
ومارسيل غانم ليس آخر من يتعرض لإنتهاك حريته، فالكثير من الإعلاميين والصحافيين يواجهون اساليب القمع نفسها، فكيف ستحمي الدولة اللبنانية هؤلاء؟
إن ما حصل مع غانم وغيره من الإعلاميين والصحافيين، ليس سوى عبارة عن تقصير كبير من السلطة في دورها الذي يتطلب حماية حرية الإعلام والصحافة، فعلى هذه الدولة حماية صحافيو بلدها من نفسها اولاً قبل أن تحميهم من اعتداءات الدول الأخرى، وفي الوقت الذي يتطور فيه الإعلام بعد اجتياح الإعلام الإلكتروني، للإسف تتراجع حرية الإعلام والصحافة في لبنان!