أولاً: الاتّهام...
يحاول البعض اتّهام رئيس الجمهورية ميشال عون بالتّدخل في انتخابات المتن، واعتبار ذلك غريباً ومُستهجناً، في حين أنّ عكس ذلك يجب أن يكون غريباً ومستهجناً، فالرئيس يحاول تدعيم عهده بتنشيط كتلته النيابية سعياً إلى فوزها بأكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، طالما أن رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي يجوبان البلاد طولاً وعرضاً (كلٌّ على حدة) دعماً لمُرشّحيهم وأتباعهم، ويلحق بهم سائر الوزراء والنواب والفعاليات، فحريٌّ بسيد العهد "القوي" أن لا يتوانى عن القيام بما تُمليه عليه المصالح الحزبية والشخصية في المقام الأول، والباقي تفاصيل لا يُعتدُّ بها.
إقرأ أيضًا: الإنتخابات النيابية الشيعية .. غياب الديمقراطية وحضور كاريزما الأستاذ والسّيد
ثانياً: نيتشه .. القوى الفاعلة والقوى الارتكاسية...
يقسم الفيلسوف الألماني نيتشه القوى قسمة ثنائية: القوى الفاعلة والقوى الارتكاسية. القوى الفاعلة هي القوى الأرقى، المسيطرة، القوى الأقوى، أمّا القوى الارتكاسية فهي الأدنى، المسيطر عليها، وأبرز مثالٍ على هذه القسمة: السيد مثلاً للقوى الفاعلة، والعبد مثلاً للقوى الارتكاسة، مع ملاحظة أنّ القوى الارتكاسية لا تستطيع أن تقوم بالفعل، بل تتلقّى الفعل وتكتفي بردّه.
تجمّعت في معركة الرئاسة الأولى الماضية القوى الفاعلة في حينه (القوات والمستقبل والحزب ) وانتخبت الرئيس الحالي ميشال عون، لينتقل الرئيس مع "تياره الوطني الحر" إلى موقع القوى الفاعلة، وانتقلت القوى التي انتخبته (أو بعضها) إلى حال القوى الارتكاسية، لم يعد أمامها سوى الاضطغان، والندم أو الإحساس بالخطأ، بات سيدُ العهد هو الفاعل والمسيطر، فلا تعجبنّ أن يكون حاضراً في المتن ونواحي المتن، وربما وصولاً إلى الهامش، حيث وطئت قدما الوزير جبران باسيل أرض بلدة رميش على الحدود الجنوبية المتاخمة للعدو الصهيوني.
من أولى دروس هذه الإنتخابات-المهزلة أنّ الضعفاء لا يُؤلّفون قوةً أقوى، وصحيح أنّنا ننفُرُ من البرلمان، لكن ليس من سمّه.