“حاولت أميركا أيضاً مع تركيا – اردوغان”، يقول المسؤول الأميركي السابق نفسه الذي عمل طويلاً في مشرق العرب ومغربهم والعالم العربي عموماً، “التعاون مع موسكو وإيران وسوريا لإيجاد منطقة فاصلة بين سوريا وتركيا. لكنّه لم يقبل وربّما لم يكن في إمكانه ذلك. سبب ذلك أن لديه مشكلة في الداخل أمنيّة وعسكريّة وسياسيّة هي “حزب العمّال الكردستاني”، وعليه مواجهته ولا سيّما بعدما ازداد خطره جرّاء نشوب الحرب السوريّة، كما بعد تحرّك الأكراد السوريّين وانتشار الأكراد الأتراك في جبال العراق الكرديّة. أخيراً تدخّل أردوغان عسكريّاً في سوريا ضد أكرادها بموافقة أميركيّة وروسيّة وحتى إيرانيّة. لكن هذا الموضوع لم يصل إلى خاتمته بعد”.
ماذا عن ترامب وشخصيّته؟ سألتُ. أجاب: “ترامب ضعيف، يحكي كثيراً لكنّه عمليّاً ضعيف. هو قويّ شعبيّاً في الداخل إذ لا تزال شعبيّته التي تبلغ نسبتها 35 في المئة من الشعب الأميركي على حالها. أمّا اردوغان فقويّ شعبيّاً في الداخل، لكنّه غير محبوب عالمياً بسبب شعبويّته وأذاه لأوروبا والعالم. إذ فتح حدوده لمئات آلاف النازحين السوريّين وغير السوريّين، وربما لمليون، فتدفّقوا على أوروبا. كما أنّه غير محبوب لأنّه يُغيّر عمليّاً طبيعة النظام في بلاده بحيث صار أوتوقراطيّاً أي مُستبدّاً وذا مسحة إسلاميّة بعدما كان علمانيّاً وفيه شيء من الديموقراطيّة. بشّار الأسد ضعيف أو بالأحرى لم يعد له وجود. وهو خاضع لروسيا وإيران ولـ”حزب الله”، وبذلك يختلف عن والده الراحل حافظ الأسد. ولهذا السبب لم يَرَهُ أحد في اجتماعات آستانا الروسيّة التي دعت إليها روسيا وشاركت فيها إيران وتركيا. كان يجب أن تكون أميركا موجودة فيها أي مشاركة إذا كانت تريد إبقاء روح “مؤتمر جنيف” حيّاً ومعه مقرّراته. لكنّها لم تُدْعَ إلى الاجتماع. في أي حال يعرف الجميع أن سوريا لن تعود كما كانت، وأن وقف حربها وحلّ مشكلتها سيستغرقان وقتاً طويلاً. ويعرفون أيضاً أن روسيا ستتخلّى عنه يوماً ما كنظام وليس كشخص فقط، وربّما تفعل ذلك إيران أيضاً. لكن هذا الأمر لا يزال مبكّراً”.
سألتُ: ماذا عن انسحاب أميركا عسكريّاً من سوريا الذي تحدّث عنه الرئيس ترامب بتأكيده أنه سيسحب الألفي جندي أميركي الموجودين على أرضها؟ أجاب: “أساساً ماذا يفعل هؤلاء هناك؟ هم لا يُقاتلون أو بالأحرى وجودهم ليس للقتال. إذ لم يمنعوا أو بالأحرى لم يحاولوا أن يمنعوا التواصل البرّي بين البلدين المُتجاورين جغرافيّاً أي العراق وسوريا، وذلك من أجل أن يمنعوا التواصل بين إيران وسوريا ولبنان “حزب الله”. وهذا أمر أكّد مسؤولون عسكريّون أميركيّون مرّات عدّة في السنوات الثلاث الماضية على الأقل أنّهم سيقومون به لكنّه لم يتحقّق”. سألتُ: ما الذي يمنع انسحاب العسكر الأميركي من العراق؟ أجاب: “خروج الأميركيّين عسكريّاً من العراق كان قراراً خاطئاً اتّخذه الرئيس السابق أوباما لأسباب عدّة. وكان العراقيّون خبثاء عندما رفضوا اقتراحات عدّة قدّمناها (أميركا) لإبقاء وجود عسكري محسوس في بلادهم. الآن يريد ترامب إبقاء الوجود العسكري لبلاده في العراق وسحبه من سوريا. إذا حصل ذلك يعتقد الأميركيّون أن السنّة والأكراد سيكونون الأكثر تضرّراً، علماً أن هناك شيعة عراقيّين يعتبرون أن لهم مصلحة في بقاء عسكري أميركي على أرضهم. ويعتقدون أيضاً أن ثمانين في المئة من شيعة العراق يكرهون إيران أو لا يحبّونها وأن النجف – المرجعيّة لا يُواليها”. علّقتُ: استناداً إلى معلوماتي ومُتابعتي يعترف الشيعة العراقيّون بعروبتهم، وربّما يُحبِّذون عودة علاقة جدّية بينهم وبين العرب وفي مقدّم هؤلاء السعوديّون. لكن إيران ستبقى بالنسبة إليهم العمق الاستراتيجي بعد الذي عانوه على يد الراحل صدّام حسين ونظامه من ظلم وجور سياسي وحتى مذهبي. لذلك فإنّهم لن يطعنوها في الظهر. هم يريدون طبعاً دولة سيّدة ومستقلّة ومُزدهرة اقتصاديّاً وعربيّة لا تُشكِّل خطراً عسكريّاً واستراتيجيّاً على إيران. على كلٍّ هذه أمور لا يزال حسمها سابقاً لأوانه. ردّ: “في العراق الزعيم الديني الشيعي السياسي السيد مُقتدى الصدر الذي يقول من يعرفونه أنّه يكره إيران، وقد يكون فيه زعماء مثله دينيّون وسياسيّون لكنّهم لا يجهرون بموقفهم السلبي منها ولا ينتقدونها. علماً أنّه زئبقي وانفعالي وقادر على التفلّت من أي ضغط أو التزام”. علّقتُ مُجدّداً: ربّما على إيران قبول وجود أميركي إلى جانب وجودها في العراق بسبب سُنّته وأكراده الّذين قد يُشكِّلون خطراً عليها. لكنّها في كل الأحوال ستُصرّ على عمق الوجود الإيراني في العراق وديمومته بسبب تشيُّع غالبيّة شعبه. علماً أن سوريا مُهمّة لها وكذلك لبنان. وهي تتمسّك بمشروعها التوسُّعي الاستراتيجي في شرق المتوسّط والمنطقة، لكن العراق هو المدى الحيوي المُباشر لها. ولذلك فإنّها ستفعل المستحيل للمحافظة على الدور الأكبر فيه بما في ذلك إرسالها جيشاً نظاميّاً لمحاربة أعدائها فيه. علماً أنها ليست في حاجة إلى ذلك الآن، إذ لا تزال سياسة القتال بالإنابة مُستمرّة، وقد مارستها مرّة جديدة في العراق بتكوينها “الحشد الشعبي” الذي قد يُصبح “الحرس الثوري العراقي”، إذا لم يكن أصبح كذلك.
ماذا يُفيد الانسحاب الأميركي العسكري من سوريا؟ سألتُ. بماذا أجاب؟