الجمعة الفائت، صادف اقتراع المغتربين بوجودي مع 70 شاباً تقريباً من أحزاب وأديان مختلفة. كنت أظن قبل التحدُّث مع هؤلاء الشباب انهم ممن يريدون التغيير وتناسي الحقد وتعلّم المحبة والعيش المشترك، وأنّ المنتشرين الذين تسبّب الوضع في لبنان بهجرتهم، لا بد من أن يبدأوا تغيير بلدهم من الخارج للمرة الأولى.
كل ما كتبته في المقدمة كان حلماً، ويا للأسف والخيبة، رغم وجود أشخاص من المجتمع المدني ترشّحوا للانتخابات. وتبين لي لدى جلوسي مع الشباب في نشاط جمعنا، انهم يختزنون كماً كبيراً من الحقد والتعصب لحزبهم. شباب ينقصهم السلاح لبدء الحرب، جاهزون لافتعال مشكلة في أكثر المسائل تفاهة مثل كرة القدم أو كوب من العصير وغيرها، فقط للدفاع عن حزبهم. انتم تقرأون وتقولون: "ما بتخيّل يعملو مشكل عَ اشيا تافهة متل هاي"، لكن هذه هي الحقيقة، وعندما تقول لهم انك لا تنتمي إلى جهة سياسية ولست من المجتمع المدني، "يحكمون" عليك بالهجرة بحجة اننا لسنا بلداً اوروبياً.
اما الخيبة الكبرى، فكانت في انتخابات بلاد الاغتراب. شبان هاجروا بسبب البطالة واستبدالهم بالعمالة الأجنبية، أو لأنّ الراتب في لبنان لا يكفي ليؤسس شابٌ عائلة. شاهدنا هؤلاء يرتدون بزاتهم الحزبية وينزلون الى صناديق الاقتراع كأنهم لا يعرفون أن اصحاب هذه الشعارات والاحزاب هم أنفسهم من ولادتهم حتى اليوم و"اذا مش هنّي ولادن او صهرن"! يا للأسف والوجع مرة أخرى.
والذي هاجر بسبب الحرب الاهلية، لم يكن مختلفاً عن المغترب رغم وجوده أكثر من ثلاثين عاماً في بلاد بعيدة. بعض اللبنانيين حصلوا على جنسية جديدة، ونسوا بلدهم على الخريطة، وهم إن أتوا الى لبنان فلن يعرفوا ربما طريق بيتهم، لكن تعصبّهم لحزبهم لا يزال في شرايينهم الصغيرة ولم تستطع الغربة ان تقتلعها، اقترعوا لهم "عالعميانة" من دون محاسبة مسببي بُعدهم عن اهلهم!
المجتمع المدني، في رأيي أنا الشاب الخائب، حزب كأحزاب الآخرين ولكن بغير إطار ووُجهة. يتفقون في الانتخابات وبعدها ينقسمون، ولن انتخب هذه المرة لأسباب سياسية. أختم بالقول: "لكم لبنانكم ولي لبناني".
(إيلي بوموسى)