صحيحٌ المثل الشعبي الذي قال «مَن راقبَ الناس ماتَ همّاً».
اذا عُدنا في الزمن أعواماً تسعَة، نرَ أن الناس تبدَّلوا وتغيَّروا، وجرَفَتهم «التيارات» الى «صخور الشواطىء»، فمِنهُم مَن تكسَّر فيهِم اليأس، ومِنهُم من تكسَّر هوَ نفسه.
ومِن وحي هذا المشهد، يحضُرُني قولٌ للقديس أغسطينوس يقول فيه: «إن الله الذي خلقَكَ مِن دونِكَ، لا يستطيع أن يخلِّصَكَ مِن دونِكَ»
وهذا القول الشهير للقديس الفيلسوف، إنما كأنّه اليوم، إنذارٌ لهذا الكمّ من الناس (وهنا للدلالة على أن بعض الناس صارَ أرقاماً)، الذين يستطيعون المشاركة في خلاصهم من دولةِ المزرعة، ومشاركتِهم في وضعِ حجر أساسِ دولةِ الدولة، فهُم في أصواتِهم يستطيعون قلبَ الموازين، وتحديدَ الأحجام، وإيصالَ الأفضلِ والأنسبِ وغيرِ المشبوه. في استطاعتِهم ضخَّ الدماءِ النظيفةِ في «عروقِ» المجلس النيابي.
في استطاعتِهم رفعَ الرأسِ، ومناجاةَ القمرِ والنجومِ بِلا خجل، في استطاعتِهم التحديقَ في الشمسِ بِلا خوف.. التحديقَ في الحقيقة، وقولَ الحقيقة لإحقاقِ الحقّ في صندوق الإقتراع، الذي سيكون في 6 أيار الفصلَ والفيصل.
في استطاعةِ الناسِ أن ينتخبوا الأكُفَّ البِيضَ، التي لم تتلطّخ بالدماء، لا بل في استطاعتهم أن ينتخبوا شهداءَ أحياءَ نذروا أعمارَهُم لخدمتِهم. ولأنهم كذلك، أصابتهُم يدُ الغدر التي لم ترضَ للحقِّ أن ينتصر، ليبقوا هُم يسرحون ويمرحون في مراتعِ الفساد.
في استطاعة الناس هذه المرّة، أن يُحدِّدوا خياراتهم بلا ضغوط، ولا ترهيب، بانتخابِ النظيفِ وليس القاتل، بانتخابِ النظيفِ وليس الفاسد، بانتخابِ النظيفِ وليس السارق.
أيها الناخب... أنت اخترتَ طريقَكَ فاسلُكها، في ورودِها وأشواكِها، في فَيئِها وظلالِها، في شمسِها وحرِّها، في وُعُورتِها ونعومتِها، فمرَّةً أدمَتكَ، ومرَّةً تنعّمتَ في السير فوقَ ترابِها، فتخاوَت أقدامُكَ مع حرارتِها وصقيعِها، إنما كنتَ في كلِّ صباحٍ تتوقُ إليها، وهي لطالما تاقَت الى وطأةِ قدمَيك، فعرفتَها وعرفَتكَ، إنساناً لا يَخيبُ الظن به، وفيّاً للأرضِ، للناسِ الذين وقفوا الى جانبِك.
أيها الناخب، أنتَ اخترتَ طريقكَ، والطريقُ لم تخذُلكَ، فلا تخذُلها، ولا تخذُل الذين ما خيَّبوا لكَ يوماً أملاً، وفتحوا لك الآفاقَ سبلاً، فلا رشَوكَ ولا أرهبوك، بل كنتَ كالإبنِ والأخِ في أحلكِ الظروف، وهُم كانوا كالأهلِ في الصعابِ والمحن.
أيها الناخب... أنتَ اختَر طريقكَ، حاسِب هذه المرّة.. لتصِل الى طريقِ الخلاص.. لأن «الله الذي خَلقَكَ مِن دونِكَ، لا يستطيع أن يُخلِّصَكَ مِن دونِكَ»... فانتخِب الوفاء.
(مارون ضاهر)