يلفظ خطاب التعبئة وشد العصب الانتخابي، أنفاسه الأخيرة في الساعات القليلة المقبلة، لتدخل البلاد في دائرة «الصمت الانتخابي» بعد ان يكون أكثر من 1400 موظف ادلوا بأصواتهم كرؤساء أقلام وكتبة قبل ان يتولوا إدارة العملية الانتخابية من الناحية الإدارية واللوجستية.
ومع مستهل الأسبوع وحتى يوم الجمعة احتدمت الخطابات، وافرغ رؤساء اللوائح الكبرى «ذخيرتهم الكلامية» باتجاه خصومهم السياسيين واللوائح المرشحة في دوائرهم، والتي قدمت بتهم أقل ما يقال فيها انها تعيب مطلقيها، وتكشف العجز المنظم عن قبول متطلبات الديمقراطية، حتى ولو كانت على الطريقة اللبنانية..
يومان على «المنازلة الكبرى»
لم يعد يبقى امام موعد «المنازلة الكبرى» التي ستجري يوم الأحد المقبل، عملياً، سوى يومين، على اعتبار ان المعارك الانتخابية ستدخل اعتباراً من منتصف ليل الجمعة - السبت، مرحلة «الصمت الانتخابي» والتي تمتد حتى يوم الاقتراع، ويفترض ان يكون هذان اليومان حافلين بشحذ الهمم وشد العصب الانتخابي والطائفي والغرائزي وبمختلف أنواع الأسلحة الانتخابية والسياسية والتي لم يشهد لها لبنان مثيلاً، في كل المعارك الانتخابية منذ تاريخه الاستقلالي.
وتوقعت مصادر وزارية عبر «اللواء» ان يكون الملف الانتخابي حاضراً اليوم في مجلس الوزراء الذي سينعقد في بعبدا، من خلال مداخلات رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، قبل أيام من موعد الاستحقاق الانتخابي، ولفتت إلى ان اقتراع المغتربين سيشكل مدار بحث، في ضوء وصول 111 طرداً دبلوماسياً تضم مغلفات أصوات المقترعين اللبنانيين في اوستراليا وأميركا والكونغو والسويد وساحل العاج والمانيا ونيجيريا وبنين والغابون وفرنسا والسنغال وكندا والمكسيك والبرازيل، التي تسلمتها أمس وزارة الخارجية، في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وتم نقلها بسيارات تابعة لشركة DHL ووضعت داخل غرفة سرية في مصرف لبنان بمواكبة قوى الأمن الداخلي.
وأكدت المصادر ان مجلس الوزراء سيواصل اجتماعاته حتى ما بعد إتمام الاستحقاق الانتخابي، مشيرة إلى ان هناك توقعات بغياب وزراء، نظراً لوجود 17 وزيراً مرشحاً للانتخابات، لكن هذا لا يعني ان الجلسة المدرج على جدول أعمالها تعيينات في المجلس الاقتصادي الاجتماعي لن تعقد.
وفهم من المصادر ان هناك اتجاهاً لدى الحكومة لتمرير ما هو عاجل من قضايا قبل ان تصبح بحكم تصريف الأعمال، مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 أيّار.
السفراء الثلاثة
وعلى صعيد علاقات لبنان العربية، اكتفت مصادر مطلعة لـ«اللواء» بالاشارة إلى مضمون البيان الذي صدر عن قصر بعبدا، في أعقاب لقاء الرئيس عون مع سفيري الإمارات حمد الشامسي ومصر نزيه النجاري والقائم بالأعمال السعودي وليد بخاري، في ما خص سياسة لبنان لجهة عدم التدخل بشؤون الدول العربية، والطلب إلى هذه الدول المساعدة في ملف النازحين السوريين.
ولم تشأ المصادر الكشف عن مضمون المحادثات التي أجراها السفراء الثلاثة في قصر بعبدا، وان كانت لا تختلف كثيراً عن محادثات الوفد نفسه مع وزير الخارجية جبران باسيل قبل أسبوعين، والتي تركزت على معرفة موقف لبنان وتوجهاته المقبلة من المستجدات المحلية والتطورات الإقليمية، وخصوصاً في الدول التي تشهد معارك عسكرية مثل اليمن وسوريا وليبيا، واكتفت بالتأكيد على حرص الرئيس عون على إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية، مشدداً على ان لبنان لا يمكن ان يكون ساحة للتدخل في شؤون أي دولة عربية.
مهرجانات صاخبة
وكانت الأيام الثلاثة الماضية، ولا سيما يوم الثلاثاء الذي كان يوم عطلة رسمية لمناسبة الأوّل من أيّار قد شهدت مهرجانات انتخابية صاخبة في معظم الدوائر الـ15 التي تتنافس فيها بشدة القوى السياسية باحزابها وتياراتها الكبرى، من طرابلس والمنية والضنية، إلى البقاع بدوائره الثلاث، مروراً بكسروان وجبيل والمتن، وصولاً إلى صيدا التي كانت أمس، آخر محطات جولات رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث أكّد من هناك ان «صيدا ستفك يوم الاحد الحصار عن قرارها السياسي وعن هويتها العربية، وستفك الحصار عن وفائها للرئيس الشهيد رفيق الحريري»، ووجه التحية لما وصفه «بالمثلث الذهبي» الذي قدم لصيدا إنجازات كبيرة في السنوات الماضية، والذي يتألف من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب السيدة بهية الحريري ورئيس البلدية محمد السعودي.
ومع قرب انتهاء الحملات الانتخابية خلال اليومين المقبلين، يبدو ان القوى السياسية والمرشحين المتحالفين معها، قالوا بحق بعضهم كل ما يمكن ان يقولوه، واستخدموا كل انواع الاتهامات وبدا واضحا من خلال الخطاب الانتخابي للبعض ان خلفياته سياسية ترتبط بالسخونة الاقليمية الحاصلة وبالتصعيد العسكري في اكثر من بلد عربي  ما يؤشر الى تطورات دراماتيكية يمكن توقعها ابتداءً من ١٢ ايار المقبل، موعد اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب قراره في شأن الاتفاق النووي الايراني، والتي سبق ان حذر منها قائد قوات «اليونيفل» في الجنوب الجنرال مايكل بيري عند ما زار الرئيس عون قبل يومين، والرئيس الحريري في «بيت الوسط» امس. 
 واتخذت المعركة الانتخابية ابعادها السياسية الممتدة اقليميا في دوائر بيروت الاولى والثانية، بعداتهام احدى محطات التلفزة لفؤاد مخزمي رئيس لائحة «لبنان حرزان» بأنه تاجر سلاح ورد مخزومي بنفي هذا الاتهام بالمطلق وبتاكيد انه كان وسيطا من دون مقابل مالي بين بريطانيا والجيش اللبناني لشراء اعتدة عسكرية، وكذلك الحال بالنسبة لتبادل الاتهامات بالفساد بين رئيسي لائحتي بيروت الاولى ميشال فرعون ونقولا الصحناوي. 
 وفي دوائر زحلة وبعلبك – الهرمل والبقاع الغربي، وفي دوائر الشمال، حيث ركز كل من الرئيس الحريري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خطابه على اتهام الاخر بتنفيذ اجندات اقليمية، واتهم نصر الله خلال مهرجان انتخابي لدائرتي زحلة وبعلبك –الهرمل، تيار المستقبل والقوات اللبنانية مباشرة بدعم الارهابيين في جرود البقاع الشمالي، ما استدعى ردا امس من رئيس «القوات» سمير جعجع اعتبر فيه ان نصر الله خرج عن طوره..
مهرجان ميقاتي
وجرى تبادل عبارات النقد والاتهام بتراجع الانماء بين خطابي الحريري والرئيس نجيب ميقاتي الذي حشد امس الاول الالاف في مهرجان كبير، وصفته اوساط ميقاتي بأنه «حدث استثنائي لم يسبق له مثيل لجهة الحشد الكبير لا في طرابلس ولا اي مكان من لبنان، وبشهادة المراقبين والمحطات التلفزيونية المعنية بنقل الاحتفالات الانتخابية». 
 وقالت المصادر: ان المهرجان وجه من خلال الحشد رسالتين الى الرئيس الحريري، الاولى من اهل طرابلس والمنية والضنية، الذين اكدوا الالتفاف حول خيار تيار العزم ولائحته وعلى صوابية خياراته الوطنية والمحلية، واستعادة قرارهم الحر بما يؤدي الى تشكيل كتلة نيابية وازنة في البرلمان تمثل تطلعاتهم واهدافهم وتحقيق مطالبهم بالعدالة والانماء والخدمات. 
 واضافت: ان الرسالة الثانية الى الرئيس الحريري ايضا الذي مكث في المنطقة ثلاثة ايام، خصص معظمها للتهجم على الرئيس ميقاتي ولائحة العزم، وجاء الحشد الشعبي ليؤكد ان كل هذه الاتهامات لم تترك اي اثر لدى الاهالي، ولينفي ما ذكره الخصوم ان الحشد انما هو من خارج المنطقة. 
واشارت المصادر الى انه لوكان المكان الذي اقيم في طرابلس يتسع لاكثر من الذين حضروا لكان الحشد اكبر بكثير. واكدت ان الرئيس ميقاتي اوصل رسالة شخصية مفادها انه يرفض الرد على اساءة الحريري له شخصيا بإساءة مماثلة، وذلك بعدما ردد بعض المشاركين عبارات سيئة بحق الرئيس الحريري وطلب ميقاتي التوقف عنها واعلن رفض التعرض لمقام رئاسة مجلس الوزراء بغض النظر عمن يشغل المنصب، مع التاكيد على التمسك بالشراكة الوطنية.
وكشفت المصادر ان الرئيس ميقاتي زار امس الاول منطقة القلمون للمرة الثانية بعد الاشكال الذي حصل يوم الاحد، وكان لقاء حاشد القيت خلاله كلمات اكدت عمق الروابط بين الاهالي وبين الرئيس ميقاتي.كما وجه ميقاتي امس رسالة صوتية الى المناصرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حثهم فيها على كثافة الاقتراع وعدم النوم على حرير الحشد الشعبي في مهرجان اللائحة.
وفي المقابل، ابدت مصادرلائحة المستقبل ارتياحها للاجواء المحيطة بعمل اللائحة، وقالت: بمهرجانات وزيارات للحريري او من دونها، الناس اوفياء لخط الرئيس الشهيد رفيق الحريري وللرئيس سعد، واللائحة اساسا قوية ولا تحتاج الى مهرجانات، والناس ستقول كلمتها في الصناديق وهي ستصوت لمشروع سياسي وانمائي واقتصادي، والخلاف ليس خلافا انتخابيا مع بعض اللوائح الاخرى، بل خلاف سياسي مع فريق يريد ان يسلخ لبنان عن محيطه العربي. 
 وعن تقديرها لما يمكن ان تحققه اللائحة من نتائج ؟ قالت المصادر: لن ندخل في تقديرات، نحن مرتاحون لما سيقرره الناس في الصناديق والناس اوفياء لخطنا السياسي والاقتصادي والانمائي.
  وعلى خط اخر، حصل تطور في طرابلس قد يصب لمصلحة لائحة «الكرامة الوطنية» ويزيد حاصلها الانتخابي مقعدا، بعد قرار عددكبيرمن الناخبين العلويين بالتصويت للائحة ومنح الصوت التفضيلي للمرشح العلوي فيها احمدعمران، وذلك بعد اتصالات رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية مع اصدقاء له من اركان الطائفة والحزب العربي الديموقراطي، بمنح الاصوات للائحة التي تضم مرشح «المردة» رفلة دياب.علما ان عدداصوات المقترعين العلويين يقدربنحو 8 آلاف صوت، يرجح ان يحصل منهم فيصل كرامي ولائحة الكرامة على ما بين 3500 و4000 صوت. 
واكدت مصادر اللائحة انه اذا صحت التوقعات وانصبت معظم اصوات العلويين لمصلحتها فيمكن ان تحصل على ثلاثة مقاعد، سني في طرابلس لفيصل كرامي وآخر في الضنية لجهاد الصمد والثالث في طرابلس للمرشح العلوي.
 وبعيدا عن طرابلس، دخل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس القوات سميرجعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل في «المواجهات» الخطابية، من خلال المهرجانات الانتخابية للوائح التي يدعمونها في اكثر من منطقة. وكان اللافت خطاب باسيل من بعلبك بأن المقاومة ليست حكرا على طرف في منطقة بعلبك» معتبراً أن النائب العياري يبقى عياري  .وفي إشارة ضمنية إلى «حزب الله»، لفت باسيل في مهرجان في جبيل الى ان جبيل وأهلها وحضارتها ليست للبيع، ومثلما احترمنا الآخر في جبيل عليه ان يحترمنا في الجنوب والبقاع، ومثله رفض ان يستورد نوابنا الآخر عليه  أن يرفض مثلنا، نريد ان نتبادل، اما بالقبول أو بالرفض، معتبراً أن معركة 6 أيار ليست معركة اضعاف العهد بل اسقاطه وكان البارز أيضا امس، المهرجان الانتخابي العلني الاول للائحة النائب ميشال المر في بتغرين المتن، والذي شارك فيه المر وابنه الياس، وسط حشد شعبي كبير فاجأ الجميع بعد المعلومات التي تحدثت عن «محاصرة المر وتراجع التأييد الشعبي له». وألقى المر الابن كلمة عالية النبرة اتهم فيها بعض المرشحين على اللوائح الاخرى بعدم الوفاء وبمحاولة الهيمنة على الطائفة الارثوذوكسية، واعلن انه سيبقى في لبنان لخوض العمل الوطني والسياسي.
جنبلاط: المختارة في حالة حصار
لكن اللافت، وسط هذه الحملات الانتخابية، كان الهجوم الصاعق لرئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، على السلطة الجديدة، خلال جولة انتخابية قام بها أمس على عدد من قرى وبلدات الشوف الأعلى، حيث اتهم هذه السلطة بأنها «تريد نبش القبور» بدل المصالحات لتطويق الجبل وإسقاط المختار، والتي تذكر بعام 1957 (الثورة)، لكنه اعتبر انه «من خلال الوعي لن نسمح بتكرار التاريخ.
وإذ رأى جنبلاط «اننا في حالة حصار، حمل على ما اسماها بالسلطتين الفعلية والنظرية، والثنائي الذي اوصلانا إلى قانون غريب عجيب يريد تطويقنا وتفريقنا وتحجيمنا».
ودعا في كل محطات هذه الجولة إلى الاقتراع بكثافة ورفع  نسبة التصويت للائحة المصالحة مع «القوات اللبنانية» ومع «المستقبل» بغض النظر عن بعض الملاحظات، موضحا ان القضية ليست في ان ينجح أو يسقط تيمور، بل لكي لا تسقط تضحياتنا وكي تبقى المختارة بخطها الوطني والعربي، لافتا إلى ان «القضية أكبر بكثير مما تظنون، هي قضية لائحة المصالحة، فإما ان تنجح كل اللائحة أو تسقط المختارة»: كاشفا بأن التعليمات بشأن الصوت التفضيلي ستأتي يوم الجمعة، محذرا من أي خلل بعدم التصويت، وعلى ضرورة التقيّد الحرفي بالتفضيلي.
وتزامنت جولة جنبلاط مع معلومات عممتها مواقع التواصل الاجتماعي في فيديوات عن حصول اشتباكات في بلدة بليبل الشوفية بين الحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية» من جهة وحزب التوحيد العربي الذي يرأسه الوزير السابق وئام وهّاب، لكن قيادة الجيش نفت لاحقا في بيان وقوع اشتباكات في إحدى المناطق اللبنانية، مؤكدة ان لا صحة لهذه الادعاءات جملة وتفصيلا، ودعت المواطنين إلى عدم الأخذ أو تداولها.
تجدر الإشارة إلى ان وهّاب كان وجه رسالة، حذر فيها مما اسماه «الخيانة» وأشار خلال برنامج «الدائرة 16» مع الزميل جورج صليبي على قناة «الجديد» إلى ان السفير السوري علي عبد الكريم علي تدخل لأجل المرشحين الوزير طلال أرسلان وعلي الحاج ليتم تركيب لائحة مع «التيار الوطني الحر» داعيا دمشق إلى سحب هذا السفير الذي يعمل على التحالفات في لبنان.
ومن جهته، قال أرسلان في تغريدة له عبر «تويتر» ان الرئيس نبيه برّي اخطأ التصرف معي، لكنه لم يشأ الدخول في التفاصيل.