زحلة، مدينة يتنافس القريب والبعيد على شرف مسؤولية خدمة ورعاية شؤون اهلها الكرام. فتتناحر الأحزاب والبيوت والفعاليات على اظهار نوايا تبوّؤ عرش تمثيلها، تحت غطاء الحرص على مصلحتها اولاً واخيراً.
إلا أنه لا يمكن لمراقب متواضع سوى التساؤل عن سبب الخلل في التوازن بين رغبة المرشحين العارمة في خدمة المدينة برلمانياً من جهة، وضعف رغبتهم في خدمتها اجتماعياً وانسانياً من جهة أخرى.
حيث ان التزايد الهائل في كمية الأشخاص المعوزين والفقراء، كما الحاجة الملحة لمعظم أهالي هذه المدينة الى الطبابة والتعليم والعمل وحتى الغذاء وأبسط وسائل العيش، أمر واضح وضوح الشمس ما ينفي الحاجة لتذكير مرشحينا الكرام به.
وعلى الرغم من يقيني بوجود عدد هائل من المستشارين والمحنّكين السياسيّين المفترضين في خبايا الخطط الانتخابية؛ أرى الحاجة للتذكير بقيمة عامل الثقة في المرشح بالتأثير على قرار وحركة الناخب، بحيث أن التركيز المطلق على الإنفاق الانتخابي بهدف مدّ خيوط السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الناخبين تحول ومع ازدياد العروض الخدماتية والمادية ونشر ثقافة الرشاوى، الى عبئ على المرشحين الذي وضعوا أنفسهم في معضلة؛ حيث أن غياب هذه الممارسات من جهة يضعف وبشكل كبير من قدرتهم التنافسية في وجه اخصامهم إلا أن وجود هذه الممارسات من الجهة الأخرى لا يحمل أي ضمانات في ظلّ قدرة الناخب على الاختيار بحرية في حرم سريّة الاقتراع.
أمّا الخطب الرنّانة في مقاربة الوسائل وعلى رغم قدرتها على تجيير مستويات فكرية قليلة الخبرة بحيث لا تتبع مبدأ المحاسبة في الشأن العام، تجد نفسها ضعيفة التأثير على الناخب الزحليّ الذي وبناءاً على ممارسات الطبقة السياسيّة، اكتسب وعي جماعي يرتكز على عدم الجديّة في محاولة تحصيل المستلزمات الاقتصادية، الأمنيّة والمعيشيّة التي وُعِدَ بها مراراً وتكراراً.
فهذا الناخب لم يعد عرضة لالتزامات حزبيّة عقائديّة أو لانتماءات عائليّة، بل تطوّر إلى إدراك واقعي يؤشّر إلى تضاؤل عدد المرشّحين الجادّين في خدمة مصلحته.
وبالتالي انطلق إلى التعامل مع العمليّة الانتخابية ككلّ، بنفس الاستهتار الذي لمسه على مر السّنين محوّلاً إيّاها إلى وسيلة لقلب الأدوار ولو لمرّة حيث يلعب الزعماء دور المتسوّلين على الأبواب.
كما أن ترسّخ مبدأ "شعرة من ابليس خير منه" لدى العديد من الناخبين الزحليين أفقد قيمة التعبئة الغرائزية للشارع أكانت لجهة الترغيب بمصلحة أو الترهيب من خطر.
وتحولت صورة ممثل الأمة مع الأسف من خادم مفترض للمصلحة العامة الى وحش رأسمالي يبتغي السلطة فوق كل اعتبار، مرتكز على مبدأ "المصالح الشخصية هي الصخرة التي تتحطم عليها أسمى المبادئ".
قد يجد بعض فكرة التركيز على مصلحة الناخب ورعاية شؤونه باستمرار عمل غريب عن زوايا الديماغوجية وسياسة نفسية القطيع التي تشكلت صلب العمل السياسي الحالي، كما يمكنني تفهّم التشكيك ببطء عملية استرداد ثقة الناس بالأفعال وليس بالأقوال والخطب، إلا ان هذا العمل أثبت عبر التاريخ، كونه الوسيلة الوحيدة لمن أراد تفادي تحوّل مصيره الى نسمة غبار عابرة على مسرح الحياة العامة لهذه المدينة.
ببساطة، يا خيّي بدّك الوظيفة، بدّك تشتغل.
(ايلي سكاف)