تزايد مظاهر العنف خلال الحملة الانتخابية وسط شكوك في إمكانية التأمين الكامل ليوم الاقتراع
 

حمل الأسبوعان الأخيران قبل موعد الانتخابات النيابية العراقية، مؤشرات سلبية عن الأوضاع الأمنية التي ستجرى في ظلّها هذه المحطّة السياسية التي توصف بالمفصلية، كونها أوّل انتخابات تجرى في العراق بعد حرب الثلاث سنوات ضدّ تنظيم داعش وتُعلّق عليها بعض الآمال لأن تكون منطلق مرحلة جديدة من الاستقرار.

غير أنّ المقدّمات لا تبدو مشجّعة، إذ أن فوضى السلاح وشيوع ظاهرة الميليشيات التابعة لمشاركين في العملية السياسية والتي تتحرّك وفق أجنداتهم، وأيضا احتفاظ تنظيم داعش بالقدرة على ضرب الاستقـرار عن طريق خلاياه النائمة، تثير المخاوف من أن تكون الانتخابات العـراقية -على عكس المأمول منها- بداية حلقة جديدة من العنف في البلد.

وشهد العراق خلال الأيام الأخيرة أحداث عنف ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات، حيث قتل أحد المرشحين ونجا آخرون من محاولات اغتيال، بينما قتل قيادي في الحشد الشعبي المشارك بدوره في الانتخابات عن طريق ائتلاف يضمّ أبرز فصائله، فيما اصطدم فصيل غير مشارك في الائتلاف المذكور مع قوات الشرطة.

وترافقت تلك الأحداث مع بلوغ “التنافس” الانتخابي بين المرشّحين درجة من الحدّة جعلته أقرب إلى العداوة، ما جعل مراقبين يحذّرون من أن تشهد الأيام المتبقية من عمر الحملة الانتخابية صداما مسلّحا، خصوصا وأن الكثير من المرشّحين يمتلكون أذرعا عسكرية، على غرار مرشّحي تحالف “الفتح” الممثّل لميليشيات الحشد الشعبي، وغريمه الأوّل تحالف “سائرون” بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يمتلك ميليشيا تحمل اسم “سرايا السلام”. وشهدت الأيام الماضية تراشقا شديدا بين الطرفين تجلّى في انتقادات الصدر لما يعتبره استغلالا لاسم الحشد الشعبي لأغراض انتخابية، وأيضا في ردّ زعيم تحالف الفتح قائد منظمة بدر هادي العامري ورفضه لتصريحات الصدر.

وقتل الأحد الماضي مرشّح للانتخابات البرلمانية العراقية عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي في نزاع عشائري مسلّح نشب في منطقة المشتل شرقي العاصمة بغداد، بينما سقط في اليوم نفسه المسؤول المالي للحشد الشعبي في عملية اقتحام لمنزله بحي الكراة ببغداد من قبل مسلّحين مجهولين.

 
ملامح العنف تزداد وضوحا خلال الحملة الانتخابية في العراق مع تعرض عدد من المرشحين لمحاولات اغتيال. والمخاوف تنصبّ على يوم الاقتراع الذي يُخشى أن يحوّله تنظيم داعش إلى مناسبة للتعبير عن وجوده وقدرته على ضرب الاستقرار الهشّ، وللإعلان عن تدشين مرحلة حرب العصابات بعد هزيمته في حرب الجبهات.

كذلك نجا عدد من المرشحين للانتخابات من الاغتيال، حيث أفاد مصدر أمني عراقي، الثلاثاء، أن مرشحا عن “تحالف سائرون”، نجا من محاولة اغتيال تعرض لها في محافظة بابل جنوبي بغداد.

ونقلت وكالة الأناضول عن الملازم أول إحسان خالد، من شرطة بابل قوله إن “المرشح حسين الزرفي، وهو طبيب يعمل في إحدى مستشفيات بابل، تعرض، في ساعة متأخرة من ليل الإثنين-الثلاثاء، لمحاولة اغتيال وسط المحافظة من قبل مسحلين مجهولين”.

وأضاف أنّ “الهجوم أسفر عن إصابة المرشح وزوجته وابنته بجروح متفاوتة الخطورة”. وفي حادثة مشابهة، أفاد مصدر في الشرطة العراقية بأن قياديا في تحالف الفتح نجا من محاولة اغتيال شرقي بغداد.

وقال المصدر لموقع السومرية الإخباري إنّ “مسلحين مجهولين هاجموا الثلاثاء سيارة تقل القيادي في تحالف الفتح جاسم الساعدي لدى مروره في منطقة الحبيبية شرقي بغداد، ما أدى إلى إلحاق أضرار مادية دون وقوع أي خسائر بشرية”.

ومن جهته كشف ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي عن تعرض أحد مرشحيه إلى هجوم مسلح. وقال الائتلاف في بيان إن “أحد مرشحي الوطنية تعرض إلى هجوم مسلح ليلة الثامن والعشرين من أبريل، حيث اعترضت مجموعة مسلحة تستقل عددا من المركبات أحد مرشحي ائتلاف الوطنية القياديين، في واحدة من مناطق حزام بغداد، وأمطرت موكبه بسيل من نيران مدافعها الرشاشة، وقد أدى الحادث إلى أضرار جسيمة في سيارات الموكب دون خسائر بشرية”.

وتعليقا على تعدّد تلك المحاولات، دعا مسؤول أمني عراقي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى التعامل مع أخبارها بحذر واعتماد ما تكشفه التحقيقات الرسمية، ملمّحا إلى إمكانية ترويج بعض الكتل الانتخابية أخبارا مزيّفة أو محرّفة أو مبالغا فيها بشأن تعرّض مرشحيها لمحاولات اغتيال كنوع من الدعاية الانتخابية ولجلب الأضواء في غمرة حملة دعائية صعبة تتداخل فيها الدعاية بمختلف وسائلها ومظاهرها بشكل يقترب من الفوضى.

وفي حادثة أكثر خطورة اندلع، الثلاثاء، اشتباك مسلّح بين عناصر من سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر والمنخرطة ضمن الحشد الشعبي وقوة تابعة لوزارة الداخلية في قضاء طوزخرماتو بمحافظة صلاح الدين شمالي العاصمة بغداد، حيث يتقاسم الطرفان- السرايا والشرطة- عملية تأمين القضاء الذي استعيد في وقت سابق من سيطرة تنظيم داعش.

ويقول خبراء الشؤون الأمنية إن عملية تأمين الانتخابات من تهديدات تنظيم داعش ستشكّل عبءا كبيرا على القوات العراقية، نظرا لكثرة المراكز الانتخابية وانتشارها على مختلف مناطق البلاد بما في ذلك بعض المناطق التي لا تزال تشهد هشاشة في أوضاعها الأمنية.

ويحذّر هؤلاء من أن يجعل التنظيم من يوم الاقتراع مناسبة للتعبير عن حضوره وتدشين مرحلة حرب العصابات بعد هزيمته العسكرية في حرب الجبهات.

وفي ضوء تلك المخاطر تقرر تشكيل لجنة أمنية عليا والاستعانة بالجهد الاستخباري والطيران الحربي لتأمين الاقتراع المقرّر للثاني عشر من شهر مايو الجاري، والذي سيجرى في ثمانية آلاف مركز انتخابي موزعة على كافة أرجاء البلاد.