ما فعلته إسرائيل في الايام القليلة الماضية، هو بمثابة إعلان حرب على إيران، يتضمن قدراً غير مألوف من الاستفزاز والتحدي والتجروء على الكشف عن أن المواجهة باتت تجري في قلب طهران، حيث تسلل جهاز الموساد وإستولى على وثائق قديمة من البرنامج النووي الايراني، عرضها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه ، بدل أن يلجأ ، كما هي العادة، لتسريبها الى وسيلة إعلامية صديقة وتحويلها الى مادة لسجال عالمي مفتوح.
عندما كان نتنياهو يقدم الوثائق في مؤتمره الصحافي مساء الاثنين الماضي، كانت شوارع تل ابيب وجميع المدن والمستوطنات الاسرائيلية خالية من المارة، وكان الجيش الاسرائيلي قد إنتقل بالفعل الى حالة التأهب القصوى للإشتباك مع إيران وحلفائها. فجأة بدت إسرائيل مرة أخرى كحصن مغلق، متماسك، متحد خلف قيادته السياسية التي كان يجادل في أهليتها، يجمع على أن القدر وضع الدولة اليهودية مجدداً على شفير حرب وجودية أخرى.
لم يكن هناك أدنى شك في أن نتيناهو إكتسب المزيد من شرعية الزعامة ومصداقيتها ، ولم يكن هناك جدل في أن اسرائيل تواجه لحظة تاريخية حرجة.. لكنه لم يكن هناك هلع من ذلك الاختبار الجديد الذي قرر رئيس الحكومة أن يدفع الاسرائيليين الى الخضوع له. فهذه هي طبيعة الدولة اليهودية ووظيفتها . وهذا هو خيارها الأوحد، والانسب، والاكثر تعبيراً عن هويتها . الانتقال من حرب الى حرب، كان وسيبقى جزءاً من عملية تجديد للدولة وتمديد لعمرها وتحديد لموقع جيشها.
لكن إعلان نتنياهو الحرب على إيران لم يكن بمثابة مغامرة جنونية، ولا كان الكشف عن قدرة إسرائيل على خرق الداخل الايراني مفاجئاً . ثمة سوابق عديدة، شملت في مرحلة ما إغتيال العلماء النوويين الايرانيين، وتخريب بعض عناصر البرنامج النووي الايراني، فضلا عن الانتهاكات المستمرة للاجواء الايرانية بطائرات الاستطلاع الاسرائيلية، وأخيراً ، قيام الغواصات الاسرائيلية بدوريات إستكشافية في مياه الخليج العربي على مقربة من الموانىء الايرانية.
الحرب قائمة بالفعل، لكن من طرف واحد. وما الغارات التي تنفذها إسرائيل تباعاً على القواعد الايرانية في سوريا سوى أحد مظاهرها. الغارة الاسرائيلية الاخيرة على القاعدة القريبة من حماه كانت مدوية، لأنها إستهدفت ودمرت مخازن صواريخ بعيدة المدى وصلت الى المكان قبل 24 ساعة فقط، بواسطة طائرات نقل عسكرية إيرانية حملتها مباشرة الى مطار حلب.
إنها الحرب، من جانب واحد. ثمة يقين إسرائيلي بأن إيران لا تستطيع الخروج على حرب مباشرة، ولا تملك حتى القدرة على الرد بالمثل. والتهديد الايراني المتكرر عن محو إسرائيل من الوجود، او حرق مدنها الرئيسية في خلال دقائق ليس سوى كلام فارغ ، حيث لا جيش في إيران، ولا طيران حربياً ، ولا فرقاطات ومدمرات قادرة على تهديد الامن الاسرائيلي. الصواريخ البعيدة المدى تفقد يوماً بعد يوم دورها الخطر ، وتكاد تصبح مفرقعات نارية. الحرس الثوري الايراني، هو قوة أمن داخلي في إيران، بقدر ما هو شبكة تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لعدد من البلدان العربية.
لكن الحرب من جانب واحد هي مثل الحب من طرف واحد. يمكن ان تنتهي بطريقة مدمرة ، مؤذية. حتى الآن حقق نتنياهو الكثير من المكاسب السياسية من الموجة الاولى من العمليات العسكرية والامنية والاستخباراتية. وباتت إيران تجد نفسها في وضع مخجل، يكشف حدود قوتها وقدرتها على إستخدام تلك القوة. التوسع الامبراطوري الاخير الذي حققه الايرانيون وفرضوا بموجبه السيطرة الكاملة على أربع عواصم عربية، يبدو الآن ، أشبه بكمين نصب لإيران، وإستدرجها لنشر قواها الامنية خارج حدودها، مما يعرضها الان لضربات متلاحقة لا تستطيع الرد عليها.
ما زال بامكان إيران أنها تدافع عن نفسها، وتمنع نقل المعركة الى داخل عاصمتها ومدنها الرئيسية، وهي تقاتل في الخارج بواسطة شبكة واسعة من الفرق الإنتحارية الحليفة المدربة والمسلحة تسليحاً جيداً. لكن الايام، ستثبت ان القيادة الايرانية، لم ترتكب خطأ أخلاقياً في قرارها الدفاع عن نظام الرئيس بشار الاسد، لكنها إرتكبت خطأ إستراتيجياً، أسوأ وأخطر من قرار الحرب مع نظام صدام حسين.