منذ فترة وجیزة شاهدت مقطع فيديو في إحدى بلدات المنطقة يظهر فيه بعض المرشحين وهم يقومون بزيارة احد المرضى الامر للوهلة الاولى يمكن تفسيره على أنه واجب اجتماعي ولكن الملفت للنظر أكثر فأكثر هو واقع حال المرشحين والصورة الكوميدية التي وضعوا انفسهم فيها حيث كانوا يرددون ما كان طفلاً لا يتجاوز العاشرة من عمره يهتف وهم يرددون ورأه لقد شاهد هذا الفيديو المئات من أبناء المنطقة حتى لا نميل الى المبالغة ونقول الالاف وقد لفت نظري تعليقاً لمواطن بعلبكي على مقطع الفيديو المذكور تعليقاً تحت عنوان "لا يعرف المعاناة إلا من يكابدها" معتبراً أن ذاك المريض في الفيديو لدیه اليوم قيمة اكبر من أي وقت مضى كيف لا والموسم هو موسم انتخابات و یقوم هذا المواطن في نوع من المحاكاة بينه وبين بعض الاصدقاء بأنّه في زمن الوصاية السورية تعرض للظلم من قبل السوریین رغم انه كان من أكثر المتعاطفين معهم كسائر الناس في المنطقة آنذاك، ما دفعه إلى الابتعاد عن بلده قسرا والعیش في بلاد الاغتراب، وقبل محاكاته كان هذا المواطن البقاعي فرحاً بزيارة المرشحين المواطنين في منازلهم، فالرسالة من المحاكاة بحسب قوله على ما یبدو هو تسلیط الضوء على ظلم لحق بالمواطنين طيلة ربع قرن وهو يقدم محاكاته فقط كونه يعتبر أن المرحلة مناسبة جداً لتسليط الضوء على المظلومية التي لحقت بالمنطقة كون المظلومیة جماعية ولیست فردية.
إقرأ أيضًا: حتى لا نبقى ضحايا الصحوة المزعومة
من هنا لا يمكنن سوى الوقوف أمام تلك المحاكاة المخيفة من تحويل حادث عابر في الزمان والمكان الى ظلم ومظلومية من اجل دعابة انتخابية، تناسى هذا المواطن اللبناني عند قيامه بمحاكاته إنّ الكثير الكثير من اللبنانيين تعرضّوا من قبل سلطة الوصاية السورية انذاك أضعاف ما تعرّض له هذا المواطن، فلا يختلف اثنان على ان الوجود السوري في لبنان ساهم في ظلم الكثير وليس من الناس فحسب بل تخطى ذلك إلى المساس بالسيادة الوطنية، نسي أو تناسى هذا المواطن أن الوجود السوري قد الحق الضرر بالكثير من المواطنين وأن هناك امهات ما زالت تبكي حتى يومنا هذا، ولم يستذكرن مظلوميتهن نسي أو تناسى أيضاً أن أوروبا ليست ظالمة كسجن المزّة وأنه في أوروبا كان يمكنه رؤية من يشاء على عكس أمهات الاسرى والمخطوفين والمعذبين في سوريا، ولكن في الانتخابات المظلومية هي نكهة الحملة الانتخابية ودعاية شعبوية من أجل كسب بعض الاصوات من خلال اللعب على سيكولوجيا الظلم والمظلوم.
ولكن هناك شيئاً بقي طي الكتمان، فلن أغوص في الجدلیات الفلسفیة لمبدأ الظلم والظالم والمظلوم، ولكن سأكتفي ببعض النقاط البسیطة جداً وذات الطابع المجتمعي لا الفردي على قاعدة أنّ العاملين في الشأن العام غالبا ما یهمهم المصلحة الجماعیة المجتمعیة لا الروایات والحالات الفردیة السطحیة. ففي محاكاته لم یحدثنا صديقنا خلال فترة إقامته في اوروباعن الحملات الانتخابية هناك ولم يحدثنا ايضاً عن تفاعل الناس هناك مع برامج عمل المرشحين كما انه لم يحدثنا من خلال محاكاته عن غياب لغة الشتائم واتهام الاخرين بالعمالة.
لم يخبرنا كيف كان هذا المواطن يظّلم شديد الظلم عندما كان يقفل حزباً كبيراً في اوروبا الطرقات عند كل جولة انتخابية وغير إنتخابية يريد القيام بها ساجناً الآلاف من المواطنين في سياراتهم لساعات في عاصمة مكتظة بالسيارات كي يمر موكب قيادته بهدوء دون مبالاة أو حتى أ لآخذ بعين الاعتبار النساء الحوامل أو المرضى أو حتى الاولاد، لم يخبرنا كيف كان رجال أمنه يشتمون كل من جولهم عند مرور الموكب بطريقة مذلة ومهينة وكأن الناس هناك رعاع لا قيمة لهم أيضاً نسي أن يكتب عن المظلومية التي تعرض لها هناك بسبب إقفال الطرقات قرب منازل ومقرات عمل قياداته في وسط البلد مسبباً زحمة سير غير طبيعية وإقفال مئات المؤسسات التجارية لم يقل لنا أيضاً كيف كان وزراء ذلك الحزب يوزعون "الزفت" على الاصحاب والمحاسيب وكأنه ملكهم الشخصي وليست ملكاً عاماً وللمظلومية لائحة لا تنتهي تعرض لها الشعب هناك على أيدي وزير من وزراء الحزب الاكبر هناك.
إقرأ أيضًا: لا خيار لنا إلا الحرية والتغيير
أيضاً وأيضاً لم يخبرنا كيف عند موسم الانتخابات النيابية تحول نائب ووزير أو أكثر وبسحر ساحر إلى شخص متواضع يزور أحياء العناطق الفقيرة التي تعرّف عليها حديثاً بسبب الانتخابات مطلقاً تماماً نفس الوعود الانتخابية التي أطلقها قبل تسع سنوات ناعتاً كل من ليس معه بال "الدواعش" غير مبال لآرائهم وحتى توجهاتهم، لم يخبرنا عن مظلومية الشعب هناك وتراجع مستواهم المعيشي بسبب إنخراط نوابه في ملفات فساد تؤدي إلى إفلاس الدولة، لم يقل لنا عن لعنة الحياة هناك بسبب انقطاع الكهرباء ،بشكل هستيري وعن خدمة الانترنت الرديئة وعن غياب الطبابة والعناية وفرص العمل ،وعن العدد الكبير من المطلوبين للعدالة بسبب غياب فرص العمل، وعن غلاء المعيشة وعن ارتفاع نسبة الفقراء وتفلت السلاح والقتل الهمجي، لم يخبرنا عن مظلومية الناس بسبب التلوث والنفايات والارتفاع الجنوني لمرض السرطان على ضفاف الانهر والامراض الغريبة وتحويل منطقتهم إلى سجن كبير.
نعم لا يعرف المعاناة إلا من كابدها فلن يعرف معنى الظلم الحقيقي المجتمعي لا الفردي إلا المواطن البقاعي الذي كابد نوابه عند كل إشراقة شمس حتى أذلّوه منذ خمسة وعشرون عاماً حتى يومنا هذا. فيبدو من خلال محاكاة المواطن البعلبكي أن المظلومية نوعان البرجوازي والشعبي هي تماما كالفرق بين أحلام الاغنياء والفقراء. منهم من يحلم أن يكون لديه بيت صغير ومنهم من يحلم أن يستبدل قصره بسرايا، كان من الأجدى طبعاً وفيِ ظل الشعبوية الانتخابية والديماغوجية السياسية كتابة مقال لكافة المواطنين دون تمییز من قبل هذا المواطن یخبرهم فیه عن المعاناة التي تعرض ويتعرض لها البقاعيون من قبل نوابهم تحت عنوان لا يعرف المعاناة الا من كابدها.