في جولة سريعة على البرامج الإنتخابية للمُرشحين للإنتخابات النيابية في ٦ أيار ٢٠١٨ ، سواء أفرادا أو أحزاباً، نرى أن ذِكْر الخصخصة في هذه البرامج خجول جدا ، وفي بعضها لم تُذكر على الإطلاق.
ولا شك أن هذا الأمر يعبّر عن نفاق سياسي في الدرجة الأولى يُمارسه بعض المرشحين ، خصوصا أولئك الذين ينتمون إلى المدرسة الرأسمالية في الإقتصاد ، لعلمهم أن هذه القضية غير شعبوية على الإطلاق في لبنان وتُقلق راحة اللبنانيين .
فالخصخصة كمفهوم إقتصادي بل كفلسفة أساسية في إقتصاديات الدول المتطورة ، تم شيطنتها في لبنان عبر السنين ، وأصبحت مرادفة لمفاهيم السرقة والمحاصصة والهدر ، رغم أنّها في حقيقة الأمر هي الحلّ الجذري لإقتصاد لبنان ، رغم الآراء المعارضة لهذه الحقيقة .
وفي حال توفّر للخصخصة بيئة مناسبة ، فإنها ستُعطي ثمارها على أكمل وجه ، والغريب أن لبنان كدولة وشعب ، مؤهّل لأن يكون بيئة حاضنة لهذه الفلسفة الإقتصادية ، ومع هذا نرى الحكومات المتعاقبة تتحايل على الموضوع عبر طرح مشاريع ستُعقّد من أزمة لبنان الإقتصادية كمشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ( PPP).
فهذا المشروع لن يُلغي دور الدولة في القطاعات الإقتصادية ، بمعنى أن الدولة الكسولة وغير المبدعة في لبنان ستبقى تتدخل في قطاعات أساسية في البلد أثبتت فيها فشلها مسبقا ، ما سيُعرقل مهام القطاع الخاص.
ودولة كلبنان ، بحاجة بكل شفافية إلى تبني الخصخصة بمفهومها الشامل بل المتطرّف أيضا ، كون القطاع الخاص أثبت نجاحه في العديد من القطاعات .
وها هي إنجازات اللبنانيين شاهدة على إبداعهم في دول الإغتراب ، عبر تأسيس شركات عالمية ونجاحهم في مجالات عديدة ، كذلك داخل لبنان.
ولتقريب الصورة أكثر ، نأخذ مثالاً مؤسسة الكهرباء في لبنان التي تُحمِّل الخزينة سنويا أعباءاً ونفقات تعادل ثلث الموازنة ، ولا زالت الكهرباء غير مُؤمّنة في كل لبنان ، وهناك تقنين يومي منذ سنوات.
إقرأ أيضا : النهار : من المستفيد من عدم خصخصة الكهرباء؟
لكن لو أخذنا تجربة مؤسسة كهرباء زحلة ، وهي مشروع خاص ، نجد أنّها حقّقت نجاحات هائلة ، وإستطاعت تأمين الكهرباء ٢٤/٢٤ وعلى مدار الأسبوع .
هذا المثال هو بارز أمام اللبنانيين ، ليروا أن الخصخصة هي الحلّ وليست المشكلة .
وللأمانة ، لا يُمكن لوم الشعب اللبناني على خوفه من الخصخصة ، ولا التيارات الإشتراكية كونها في الأساس تتبنى فلسفة إقتصادية خاصة بها يمكن النقاش معها فيها ، لكن من يُلام هو من ينتمي إلى المدرسة الرأسمالية وساهم في تشويه هذا المفهوم أو أقله لم يُوضحه للشعب اللبناني.
ففي ملف الإتصالات مثلا ، جرى إحتكار القطاع من قبل شركتي (Mtc ) و ( Alfa )، فتحكما بالأسعار التي تُعتبر خيالية .
لكن لو تم خصخصة القطاع ، وفُتح المجال أمام العديد من الشركات ، لتنافست هذه الشركات على إرضاء الزبون بعدة وسائل ومنها خفض الأسعار وتحسين الجودة .
كذلك الأمر في قطاعات المياه والإنترنت وغيرها من المجالات الإقتصادية في البلد ، فكلها لو خُصّصت ومُنع الإحتكار بها ، وسُمح لقواعد السوق وآلياته ( العرض والطلب ) أن تعمل من دون قيود ، لكان الإقتصاد اللبناني في أمان .
ورغم تنوّع أنواع وأشكال الخصخصة في العالم ، ك (BOT ) و (BOO ) وغيرها ، إلاّ أن الأنسب للدولة اللبنانية تبني خيار الخصخصة الكاملة في جميع القطاعات ، بإستثناء المجالات السياسية والأمنية والإجتماعية .
فالخصخصة تُخفّف من أعباء الخزينة ، وتزيد الإبداع والإنتاجية ، أما الشراكة بين القطاعين، فلا أحد يضمن عدم نقل عدوى الفساد وسوء الإدارة والفشل إلى القطاع الخاص من القطاع العام .
بالمحصّلة ، أكّد معظم المرشّحون إلى الإنتخابات النيابية مرة جديدة عن قصر نظر في الرؤية الإستراتيجية لإقتصاد لبنان ، وعن نفاق سياسي في الجانب الآخر للإبتعاد عن تقديم الحقيقة كما هي للناخب وبيعه وهم بشعارات إقتصادية فارغة المضمون ولا أمل فيها .