هل سيطعن بنتائج الانتخابات وتتم إعادتها؟ سؤال أساسي يجري التداول به في كواليس السياسية. لا شك أن أي خلفية لتقدّم أي طرف أساسي ووازن بطعن بنتائج الانتخابات سيكون مرتبطاً بالموقف والتطورات السياسية، وفي آلية انعكاس هذه النتائج على المسار السياسي. في بعض التقاليد اللبنانية لمقاربة الانتخابات، ثمة حوادث تاريخية تشابه حالات تعمّد حصول تجاوزات ومخالفات لأجل تعطيل نتائج العملية الانتخابية وعرقلة مفاعيلها. هذا أكثر من يخبره اللبنانيون عن الانتخابات البلدية، إذ هناك مئات البلديات المعطّلة أو التي جرى فرطها، سواء أكان على خلفيات تجاوزات أم بسبب سقوط التسويات السياسية.
اليوم، تجري الانتخابات وفق تسوية سياسية واضحة المعالم. وبمعزل عن الكلام التصعيدي الذي يهدف إلى شد العصب الانتخابي، فإن القوى الأساسية في السلطة متحالفة في ما بينها على أساس هذه التسوية، وربما على مرحلة ما بعد الانتخابات وكيفية إدارة القسمة التحاصصية لتكوين السلطة التنفيذية وما يترتب عليها. ولكن، في خلفية عقول الجميع، هناك تطورات قد تحصل، في الإقليم وعلى الصعيد السياسي، قد تفرض الإطاحة بهذه التسوية المعمول بها في ظل الستاتيكو الإقليمي القائم. بالتالي، حين سيتغير هذا الستاتيكو يتوجب تغيير التسوية. ومن المستحيل تغييرها في ظل النتائج التي ستفرزها هذه الانتخابات. بحث التصور العام أصبح واضحاً بشأن الأحجام التمثيلية لمختلف الكتل.
لا يرتبط الطعن بطرف دون آخر. لدى الطرفين أسباب موجبة وذرائع جاهزة لتقديم الطعون. الناحية القانونية متوافرة وفق البعض، فيما الأساس يكون في الحاجة السياسية إلى اتخاذ هذا الإجراء. عوامل الطعن متوافرة منذ استقالة أحد أعضاء هئية الإشراف على الانتخابات، رئيسة اتحاد المقعدين سيلفانا اللقيس، التي تحدّثت عن تجاوزات ومخالفات كثيرة يجري ارتكابها. يضاف إلى ذلك البحث في الأساس العملاني والإجرائي لهذه الهيئة، وعمليات التوظيف المفضوحة التي تحصل واستغلال منطق السلطة لتعزيز الفرص الانتخابية للمرشحين، لا سيما أن أكثر من نصف أعضاء الحكومة يخوضون المعركة الانتخابية. يضاف إلى ذلك، سبب ثالث أساسي هو عامل ضخ الأموال بشكل علني غير مسبوق. والسبب الرابع هو آلية اقتراع المغتربين، أولاً باعتبار أنه يجب أن تحصل في الاستحقاق المقبل وليس في هذه الدورة، وفق ما نص عليه القانون نظراً إلى ارتباط تصويت المغتربين بتخصيص ستة مقاعد نيابية لممثليهم. وثانياً في شأن آلية نقل الصناديق والفرز في لبنان. وهذا ما قد يدفع البعض إلى التشكيك في طريقة نقل الصناديق وضمان سلامتها، من أي تلاعب أو تغيير.
وما يبدو واضحاً هو حجم الاهتمام الدولي من قبل حكومات وجمعيات دولية معنية في مراقبة الانتخابات، بحيث تشير بعض المعلومات المتابعة إلى أن هذه الجمعيات تعد تقارير يومية عن الحملات الانتخابية، والخطاب السياسي، والإنفاق المالي، وكل إدارة العملية الانتخابية. وهذه أيضاً يمكن أن تستخدم في أي طعن قد يجري تقديمه لفرض إعادة الانتخابات إذا ما أملت التطورات السياسية والإقليمية ذلك. خصوصاً أن القاعدة الثابتة في لبنان هي أنه لا يمكن الإقدام على هكذا خطوة كبيرة بلا غطاء أو موافقة دولية. بالتالي، إذا ما كانت التطورات السياسية تفرض تغييراً في لبنان، ولم تكن النتائج على قدر تطلعات المجتمع الدولي، فحينها قد يلجأ فريق معين إلى الطعن بها والمطالبة بإعادة إجرائها.
كل الأمور ستكون مرهونة بالتطورات السياسية في المرحلة المقبلة. وهذا ما يقف عنده (حزب الله) بشكل لافت، من خلال كلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي اعتبر أن موقفه من رئاسة الحكومة سيحدد بعد الانتخابات ووفق الأحجام. وهو ما يؤشر إلى أن لبنان مقبل على مرحلة شدّ حبال، ستكون مرتبطة بالتطورات الخارجية، لا سيما في ظلّ تنامي المواقف الضاغطة على إيران، مع توجه واضح لتعديل الإتفاق النووي، خصوصاً أن الأجواء الأميركية تشير إلى تشدد كبير تجاه طهران بهدف دفعها إلى تقديم تنازلات. عليه، فإن مصير تثبيت نتائج الانتخابات سيكون مرتبطاً بعامل من إثنين، إذا ما بقيت إيران على تقدّمها وإنجازاتها في المنطقة، فإن الانتخابات ستبقى ولن تتغير، أما إذا كانت التوجهات الدولية جدية في الضغط على طهران، فإن ذلك يتطلب تغييراً في لبنان. ما يعني أن الطعن بالانتخابات سيحصل لإعادة إجرائها وفق قواعد جديدة تحددها الوجهة الدولية المقبلة.