الانتخابات تقترب، وما زال البحث جارياً عن عنوانها، شعارها ، وظيفتها، ومآلها . تداول السلطة خرافة لا تستقيم مع الواقع. تعديل الخيارات السياسية أسطورة تتنافى مع حقيقة أن نقض نتائج فرز الاصوات كان على الدوام أسرع من إعلانها . تغيير بعض الوجوه السياسية علامة على أزلية النظام وتماسكه وإنغلاقه، أكثر من كونها دليلا على رحابته وسعة صدره.
لكن "العرس الديموقراطي" ، على ما توصف به الانتخابات في جميع بلدان العالم الثالث التي تفتح صناديق الاقتراع لتغلق محاور الحرب الاهلية، ما زال قائماً ، وهو بالمعايير اللبنانية عرس حقيقي، مفرح: أن يقتصر العنف في سياق الحملة الانتخابية على ضرب مرشح هنا من قبل جمهور حزب مدجج بالسلاح، او على منع مرشح آخر من تنظيم تجمع إنتخابي، او على تمزيق صور مرشح ثالث ، او شتم مرشح رابع.. فتلك من علامات الرشد والرقي، والانقطاع عن التاريخ المبني على صورة الموت والتصفية والفناء.
المعركة سلمية فعلا. ليس فيها ضحايا، ولا حتى مبعدين من ساحة الوغى الانتخابي. وهي شهادة فخر للبنان حقاً، لاسيما بالمقارنة مع ما يجري حوله من حروب وأزمات لا تخلو من حملات إبادة جماعية. وهي شهادة حسن سلوك للبنانيين جميعاً ، الذين وضعوا السلاح جانباً ، وقرروا الخضوع لذلك الاختبار، والمشاركة في ذاك العرس. لكنها ليست شهادة ثقة بديموقراطية الانتخابات ولا حتى بنزاهتها ، ولا طبعا بشرعيتها.
المعركة سلمية فقط لأنها تدور داخل دوائر السلطة نفسها ، وتتفاعل داخل كل طائفة، وداخل كل تيار وحزب، وهي تؤسس لوراثات سياسية أكثر مما تمهد لتغييرات فعلية في النادي السياسي المغلق الذي لن يدخله في السابع من أيار، أي عضو جديد، عدا بعض الاستثناءات النادرة التي لا تتجاوز خمسة نواب من أصل 128نائبا .. وستكون هذه النتيجة مكسباً تاريخياً للنظام وللطبقة السياسية، بدل أن يكون إختراقا (متواضعاً) لبنيته المتينة.
"لبنان ينتخب". العنوان ظريف، مستعار بالحرف من الغرب الاميركي والاوروبي. لكنه يحتاج الى مشاركة أكثر من ربع اللبنانيين لكي يصبح واقعياً، ويتطلب مساهمة أكثر من ثلث الناخبين لكي يكون دقيقاً.. ويفترض عدالة أكثر ونزاهة أكبر في التعامل مع مسائل جوهرية مثل القانون الانتخابي الهجين، والتوزيع الجائر للدوائر الانتخابية..وهي مسائل لم ولن تنسى في أعقاب إعلان النتائج في السابع من ايار ، لكنها ستصبح تحديات حقيقية للنظام اللبناني ، الذي تساهل في الفترة السابقة عندما قبل بمبدأ النسبية(المشوهة)، وسلم بالحاجة الى توسيع الدوائر بشكل محدود ومدروس .
هذه المرة "لبنان ينتخب" ويعكس فقط ما تضمره العبارة من إنطواء على الذات ، على الاطار الضيق، على البعد المحلي وحده، مثلما يجري في أي إنتخابات في أي بلد. ولعله يجوز القول أنها المرة الاولى التي ينتخب فيها لبنان ، من دون تدخل خارجي ، كان على مر التاريخ من لزوميات السياسة وضروراتها، ونداءاتها الطبيعية. التمويل الخارجي أيضاً يكاد يكون معدوماً، ما يجعلها أفقر عملية إقتراع وأدناها ثمنا..حيث يقتصر الانفاق الانتخابي في معظمه على متمولين محليين، وعلى مخصصات سابقة تتلقاها أحزاب وتيارات لبنانية من أجل خوض معارك غير إنتخابية، بل وغير سياسية.. والمثال الابرز حزب الله الذي إقتطع من ميزانيات حرب سوريا واليمن وغيرها من أجل تمويل المعركة، بينما إعتمد خصومه على أرصدة وحسابات وديون خاصة لكي يخوضوا الحملة.
البحث مستمر عن عنوان جذاب للمعركة . محاربة الفساد مزحة سمجة. تحريك الاقتصاد وهمٌ خالص. تحقيق الانماء وتوفير الخدمات الاساسية مثل الكهرباء والماء والنقل والانترنت السريع كذبٌ صريح. المهم الآن، وحتى يوم الاحد المقبل، أن لبنان ينتخب بهدوء وسلام.