يعرّف المرض النفسي على أنه اضطراب وظيفي في شخصية الفرد نتيجة وجود خلل أو تلف أو انحراف عن السواء، وتعود أسبابه إلى خبرات الفرد المؤلمة أو إلى صدمات انفعالية حادة تعرّض لها، وأهمها الشخصية المرضية الحدّية « Borderline Personality Disorder».
في هذا السياق، كان لـ «الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية الدكتور كارول سعادة التي استهلّت حديثها معرّفةً بالشخصية الحدّية، قائلةً إنها «تركيبة شخصية، فالإنسان يولد وتولد معه مزايا وراثية ومكتسبات جينيّة، كما أنه ينشأ في أجواء معيّنة، فتلعب التربية والعائلة والمجتمع دوراً مهمّاً في تكوين الشخصية. فكل هذه الأمور والتجارب التي يمرّ فيها الفرد، تكوّن شخصية معيّنة يمكن أن تكون ملامحُها ثابتة على مدّة معينة، للتغيّر باتّجاه اكتشاف شخصية الفرد بعد بلوغه أو في مرحلة الرشد».
التهوّر الجنسي
عالمياً توجد 10 شخصيات مصنّفة على أنها مرضيّة منها الشخصية الحدّية، فالإنسان مجموعة من ملامح معيّنة تتكيّف مع المجتمع، الحياة، والظروف. أما الشخصية المرضيّة فهي الشخصية غير القادرة على التكيّف مع المجتمع ما يسبّب تداعياتٍ سلبية جداً على حياة الشخص، والشخصية الحدّية هي واحدة من أهم هذه الشخصيات.
وتوضح د.سعادة أنّ «هذه الشخصية تتميّز بخاصيّة التهوّر والتقلّبات المزاجية المتكررة والمزمنة، إضافةً إلى التناقض وعدم الإستقرار على الصعيد العاطفي، وعلى صعيد صورة الشخص لذاته وصورته للآخرين، فهذه الشخصية لا تملك أيَّ ثوابت في حياتها، اضافةً الى السلوك المتهوّر على الأصعدة كافّة، كالتهوّر الجنسي، التهوّر أثناء القيادة، تعاطي المخدرات، الكحول، الأدوية وغيرها... من جهة أخرى، تؤثر هذه الشخصية المرَضية على محيطها لا سيما بسبب غياب الاستقرار عن المصابين، فيسيطر عليها الخوف من الإهمال، فنراها تارةً تميل الى حبّ الآخرين كثيراً، وطوراً تحقّرهم وتعاملهم بأبشع الأساليب».
أذيّة النفس والانتحار
أسباب هذه الشخصية متعدّدة جداً وترتبط بتجارب الشخص الفردية اضافةً الى العوامل الجينية والوراثية كالاضطرابات النفسية في العائلة، فكل ما انخفض الإستقرار العاطفي عند الطفل ازداد احتمال إصابته بهذا المرض النفسي. وتفصّل د. سعادة أنّه «يطغى الفراغ والملل على حياة الشخصيّة الحدّية ولتملأ هذا الفراغ قد تميل الى تعاطي المخدرات، الكحول والأدوية وقد تعمد الى أذيّة النفس المباشرة عن طريق جرح نفسها مثلاً بهدف الانتقام من ذاتها بشكل غير واعٍ، ويُعتبر المصابون بالشخصية الحدّية الأكثرَ عرضةً للإصابة بالأمراض المرتبطة بالصحة كفقدان الشهية أو الشره المرضي، وبالمزاج أيضاً كالكآبة والاضطراب ثنائي القطب، الأمر الذي يسبّب تقلّبات مزاجية مرَضيّة تمنع الشخص من التكيّف في حياته الزوجية، العاطفية والعائلية، ما يفسّر الإقبال على الانتحار في بعض الحالات».
يمكن ملاحظة هذه العوارض في المراهقة، إلّا أنّ الاختصاصي يفضل الانتظار الى سنّ الرشد قبل طرح أيّ علاج، باعتبار أنّ ذلك قد يكون ربما ازمةً عابرةً في سنّ المراهقة. أما إذا لازمت هذه العوارض الشخص حتى الرشد، فعندها يلجأ الطبيب للفحص العيادي لمعرفة نوع الشخصية. وتشير د. سعادة في هذا الإطار الى أنّ «العلاجات النفسية تطبّق دائماً بحسب المدارس النفسية، أي إما عن طريقة العلاج المعرفي السلوكي أو التحليل النفسي وأحياناً يلجأ الطبيب للأدوية لتخفيف من التقلبات المزاجية والتهوّر عند الفرد».
هل من علاج شافٍ؟
لا يمكن للشخص المريض أن يتحكّم بشخصيته، فهي تسيطر عليه، ما يفسّر أهمية نيل المساعدة من المختصّين، وهذه الخطوة تتحقق غالباً بعد أن يكون المصاب قد مرّ بحال من الكآبة أو حتى بعد محاولته الانتحار. وأخيراً تنصح د. سعادة الأهل «بتأمين جوّ من الاستقرار والراحة للطفل و ذلك للحدّ من نسبة إصابته بالأمراض النفسية»، مشدّدةً على أنّ «العلاج ليس سهلاً أبداً فهو طويل ويتطلّب المثابرة من المصاب. كما أنه يتمحور حول الشخصية المرَضية وليس العوارض، وبالتالي لا يمكن أن نتكلّم عن شفاء تام لأنّ ملامح الشخصية لن تختفي، لكنه يهدف الى مساعدة المريض على السيطرة على العوارض الناتجة عن هذه الشخصية».