لا مراء في ان توجه بضعة آلاف من اللبنانيين المغتربين في ست دول عربية (7530 ناخباً) من أصل 12611 لبنانياً سجلوا اسماءهم في السفارات اللبنانية في تلك الدول، لا سيما في المملكة العربية السعودية، ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر والكويت وسلطنة عُمان، يُشكّل خطوة يمكن اعتبارها تاريخية، ووصفها الرئيس ميشال عون من مبنى الخارجية، بأنه إنجاز ان يتمكن لبنان من تنظيم الانتخابات في 40 دولة حول العالم.
وغداً، الأحد، أي قبل أسبوع واحد من الانتخابات في لبنان تجري عمليات الاقتراع لـ82900 لبناني سجلوا اسماءهم في 39 دولة، من بين مليون يحملون الجنسية اللبنانية، ويحق لثلثهم الانتخاب (حسب وكالة فرانس برس).
وحظيت الخطوات اللوجستية والإدارية والتنظيمية باهتمام دبلوماسي وسياسي، وواكبتها وزارتا الخارجية والداخلية.
نظراً لما هو متوقع من هذه الخطوة، بعد إتمام عمليات الاقتراع، وجمع الصناديق في السفارات اللبنانية في الدول حيث كان الانتخاب، بعد ختمها بالشمع الأحمر، ضمن مظاريف مقفلة، على ان ترسل إلى وزارة الداخلية لإتمام عمليات الفرز.. مع الإشارة إلى أن نسب الاقتراع تراوحت بين 60 و45٪ (وتحفظ قبل ذلك في البنك المركزي).
اجرائياً أيضاً، يتوجه الأحد 6 أيّار 3.7 مليون شخص للانتخاب في 232 قلم اقتراع في بيروت ومختلف المحافظات اللبنانية.
بالتقييم اللبناني، كانت عملية الاقتراع ناجحة وذهب الإعلام العوني إلى وصفها بالتاريخية، ان المنتشرين اللبنانيين اقترعوا للمرة الأولى، وإن مشاركتهم في الحياة السياسية لم تعد حبراً على ورق.
ولم يشأ اعلام «المستقبل» ان يذهب بعيداً واكتفى بالاشارة إلى ان اقتراع المغتربين، الذي يجري لأول مرّة في تاريخ لبنان، واكبته الخارجية منذ الصباح.
اعلام حزب الله، لاحظ تفاوت التقييم، بين من رأى فيها فخاً لوصل الاغتراب بالحياة الوطنية، أو وصفها «بالفلكلورية» تخضع لاستنسابية اختيار المراكز والتوزيع في ظل عدم قدرة المغترب على امتلاك حرية صوته».
وكتبت «فرانس برس» لطالما شكلت مشاركة اللبنانيين في الخارج مطلباً رئيسياً للزعماء المسيحيين الذين يحرصون على إبقاء المسيحيين لاعباً مؤثراً في المعادلة السياسية في لبنان، بعد حركة الهجرة الكبيرة خصوصاً في القرن التاسع عشر وأثناء الحرب الأهلية (1975-1990)، ومع تراجع عدد المسيحيين في الداخل، ويقوم النظام السياسي في لبنان، البلد الصغير ذي الامكانات الهشة، على توازن دقيق بين المسيحيين والمسلمين الذين يتقاسمون مناصب السلطة ومقاعد البرلمان.
وقالت أن «السنة كانوا يعارضون هذه المشاركة بشكل عام ويعتبرونها بمثابة محاولة لتقليص وزنهم الديمغرافي المتنامي». واذا كان القادة الشيعة، بدلوا رأيهم مراراً مع هجرة مواطنيهم إلى غرب افريقيا، الا انهم دعموا هذا المطلب.. (وفقاً لتحليل اكرم خاطر مدير مركز خير الله لدراسات الانتشار اللبناني في جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة).
على ان الأخطر هي المخاوف من التلاعب بالنتائج، وسط تشكيك قواتي - كتائبي، بعد ان اعترض مندوب الكويت على عدم تسليم حزبه محضر الاقتراع هناك.. والانتقادات التي سبقت على لسان أكثر من مسؤول قواتي. وبقاء مندوبي الأحزاب في قطر في حال استنفار بعد اقفال الصناديق، وعقد هؤلاء اجتماعاً مع السفير اللبناني، وهم على اتصال مع قياداتهم قبل نقل الصناديق إلى بيروت.
ومع انتهاء عمليات اقتراع المغتربين في الدول العربية تكون قد انطلقت رسمياً فعاليات الانتخابات النيابية التي تشهد غداً محطتها الثانية في دول أميركا وأوروبا واوستراليا وافريقيا، والتي ستكون بطبيعة الحال أوسع وأشمل، نسبة إلى كثرة عدد المسجلين الذين وصلوا إلى حدود الـ70 الفاً، وشمولها دولاً عديدة بلغت بحدود 40 دولة، الأمر الذي يستدعي ترتيبات مختلفة نسبة عن تلك التي وضعت للاشراف عليها من قبل وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الداخلية، مع فارق التوقيت الزمني، حيث يفترض ان تمتد العملية بالنسبة الى الولايات المتحدة إلى ظهر الاثنين المقبل، ما يجعل مراقبة العملية من بيروت اصعب.
وأبرز ما أسفرت عن نتائج صناديق اقتراع في الدول العربية الست كان على النحو الآتي:
في سلطنة عُمان اقترع 221 من أصل 296 ناخباً، وبلغت النسبة 74.6 بالمئة.
في الإمارات بلغت نسبة المشاركة 60.5 بالمئة وعلم ان جبيل وبعبدا حصلت على أعلى نسبة مشاركة فيها.
وفي الكويت اقترع 1298 ناخباً من أصل 1878 مسجلاً والنسبة بلغت 69.1 بالمئة.
وفي قطر اقترع 1402 مغترب من أصل 1832 مسجلاً وبلغت النسبة 76.5 بالمئة.
وأقفلت نسبة المشاركة للمغتربين في مصر على 66 بالمئة، مع ان عدد المسجلين كان ضئيلاً.
وفيما كانت عمليات الاقتراع تجري بهدوء في القنصليات اللبنانية في هذه الدول، تحوّلت وزارة الخارجية في قصر بسترس إلى خلية نحل لمتابعة الحدث الانتخابي الاغترابي، والتي انتقل إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمتابعة هذا الاستحقاق، حيث جال في الوزارة وتفقد غرفة العمليات، قبل ان ينوه بما شاهده مهنئاً «المنظمين الذين كلمة مستحيل ليست موجودة عندهم»، وقال: «ليس قليلاً ان ننظم بهذا المستوى من التقنية، والحرفية الاستحقاق في 40 دولة».
اما الوزيرجبران باسيل فاعتبره يوماً تاريخياً قال ان اللبنانيين صنعوا معنا يوم التغيير»، مضيفاً «ما حصل نموذج على اننا قادرون على الإنجاز عندما تتوافر الإرادة»، وعقد اجتماع ضم الرئيس عون والوزير باسيل، والوزير نهاد المشنوق الذي جاء مباشرة من مطار «رفيق الحريري الدولي»، وتابع مع الرئيس عون وباسيل مجريات العمليات الانتخابية.
أسبوع الحسم
انتخابياً أيضاً، بقيت الاستعدادات ليوم الاقتراع الطويل الذي سيجري يوم الأحد المقبل في 6 أيار في لبنان الشغل الشاغل للقوى السياسة المتصارعة أو المتحالفة، ومعها اللوائج العديدة وماكيناتها الانتخابية، على اعتبار ان الاسبوع الفاصل عن موعد الاستحقاق الانتخابي سيكون حاسماً ومصيرياً بالنسبة لجميع القوى السياسية والمرشحين الذين جيشوا كل امكانياتهم وقدراتهم التحشيدية استعداداً ليوم المنازلة الكبرى، خاصة وان عامل الوقت بات داهماً، علماً ان الجميع يؤكدون انهم باتوا مستعدين بعد ان انهمكوا على مدى الشهرين الماضيين في شد عصب جمهورهم بكل ما ملكت أيديهم، وبكل ما لديهم من طاقات وأساليب لم تكن في كثير من الأحيان سليمة أو نزيهة وديمقراطية، ووزع هؤلاء كل جهودهم لكسب أصوات الناخبين، والحض على رفع نسبة التصويت من أجل رفع الحاصل الانتخابي، فيما بقيت كلمة السر بالنسبة للصوت التفضيلي، مجهولة بالنسبة لكثير من اللوائح، التي يبدو انها اعتمدت التريث في توزيع هذا الصوت حتى قبل 48 أو 24 ساعة من موعد الاقتراع.
وبحسب اجندات القوى السياسية، فإن أسبوع الحسم سيكون حافلا بالمهرجانات الانتخابية واللقاءات يبدأه الرئيس نبيه برّي عصر اليوم بالمهرجان المركزي الذي ستنظمه حركة «امل» في ساحة البوابة في مدينة صور- دعماً للائحة «الوفاء والامل»، حيث سيكون للرئيس برّي كلمة سياسية شاملة، هي الأولى له وربما الأخيرة في المعركة الانتخابية التي افتتحت منذ شهرين، علما ان المهرجان سيكون مركزيا ووحيدا سيشارك فيه مناصرو الحركة من مختلف المناطق.
واللافت ان المهرجان سيترافق مع الجولة التي يقوم بها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على قرى دائرة صور- الزهراني، التي ينافس فيها التيار اللائحة التي يرأسها الرئيس برّي في هذه الدائرة، والتي كان يُمكن ان تفوز بالتزكية لو لم تترشح ضدها لائحة رياض الأسعد بالتحالف مع التيار العوني.
ومن هنا تبدو جولة باسيل في هذه الدائرة مثيرة للاهتمام، خاصة بعدا المواقف التي أطلقها في «الهبارية»
خلال جولته في قرى مرجعيون وبنت جبيل، والذي غمز فيها من قناة برّي الذي ردّ عليه معتبرا جولته الانتخابية بأنها عبارة عن «سياحة انتخابية».
ولا تستبعد بعض المصادر ان تتضمن كلمة برّي في صور اليوم إشارات أو مواقف تتصل بالنزاع الحاصل والمتفاعل بين «امل» و«التيار الحر»، على أساس ان يكون يوم الانتخاب هو «يوم الحساب» بين الرجلين.
أما الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، فهو سيطل مجددا عصر الثلاثاء، على مهرجانين ينظمهما الحزب لحشد التأييد للائحتيه في كل من بعلبك- الهرمل وزحلة، سيكون الأوّل في عين بورضاي لبعلبك، والثاني في رياق لزحلة، وقد يكون خاتمة الاطلالات العديدة للسيد نصر الله في هذا الموسم الانتخابي الذي كان حافلا بالتوضيحات والمواقف والشروحات نظرا للتنافس الانتخابي الحاد، ولا سيما في دائرة بعلبك- الهرمل، حيث يخشى الحزب من خروقات قد تطال أحد مرشحيه الشيعة. مع الإشارة إلى ان الأنظار تتجه إلى دائرة بعبدا، في ضوء أزمة الثقة بين «امل» وحزب الله، والاتجاه لغياب مرشّح الحركة فادي علامة عن مهرجان ينظمه التيار الوطني الحر.
جولة الحريري الطرابلسية
في هذا الوقت، شكلت الجولة التي بدأها الرئيس سعد الحريري في طرابلس أمس، ويستكملها اليوم في المنية والضنية، وغداً في عكار، والاثنين في الكورة والبترون، حدثاً سياسياً لافتاً، ليس فقط بالنسبة للمواقف التي أطلقها في جولته الطرابلسية.
وكان الرئيس الحريري استهل جولته في طرابلس بزيارة منزل وزير العمل والمرشح على لائحة «المستقبل» محمّد كبارة الذي وصف الزيارة بالتاريخية، ثم انتقل إلى مقر دار الافتاء في المدينة، حيث استقبله مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في حضور النائب سمير الجسر والمرشحة ريما جمالي. وبعد خلوة قصيرة مع المفتي الشعار توسع الاجتماع بانضمام مشايخ دار الفتوى في الشمال.
وصحب المفتي الشعار الرئيس الحريري إلى المسجد المنصوري الكبير لأداء صلاة الجمعة، علما ان المسجد المنصوري يقع داخل احياء طرابلس القديمة، والتي دخلها الحريري سيراً على الاقدام وسط حشود كثيفة من المواطنين الذين رحبوا به وهتفوا بحياته ونحروا له الخراف.
وبعد الصلاة التي تخللها خطبة الجمعة المفتي الشعار، زار الحريري النائب محمّد الصفدي في مركز الصفدي الثقافي، في حضور ماكينته الانتخابية، ثم لبى دعوة للغداء في الميناء، وبعدها انتقل إلى منطقة البداوي، وفي طريق عودته منها، جال في احياء التبانة وباب الرمل والقبة وهي الاحياء الشعبية الطرابلسية الأكثر فقراً، قبل ان يختم جولته بزيارة بلدة القلمون.
بيان بروكسل
في غضون ذلك، سارعت بعثة الاتحاد الأوروبي، في لبنان ومكتب المنسق الميم للأمم المتحدة، أمس، إلى إصدار بيان توضيحي للبيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر بروكسل- 2، حول «العودة الطوعية» للنازحين السوريين، ما استدعى ردود فعل رسمية وسياسية منددة بمضمونه الذي اعتبرته مقدمة «لتوطين مقنع».
وشدّد البيان التوضيحي على ان موقف الأسرة الدولية من لبنان «لم يتغير» وان وجود اللائجين السوريين في لبنان «مؤقت»، والحلول التي يتم البحث عنها للاجئين هي خارج لبنان، وان المشاركة في سوق العمل حصراً يُمكن ان تتم وفقاً لاحكام القانون اللبناني».
وفي إشارة إلى المواقف الرسمية الرافضة لبيان بروكسل، أوضح بيان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ان المقطع الذي ورد في الإعلان المشترك للمؤتمر أشار إلى «وجوب ضمان أن تكون عمليات إجلاء المدنيين آمنة، ومبنية على توفر المعلومات لمَن يتم إجلاؤه، وذات طابع مؤقت وطوعي، وأن تكون الحل الأخير المتاح، وأن تشمل هذه الموجبات اختيار وجهة الإجلاء وحفظ الحق في العودة أو اختيار البقاء، وفقاً للقانون الدولي الإنساني». ويتعلق هذا المقطع بوضع السكان المتأثرين بالنزاع داخل سوريا ولا يرتبط بلبنان ولا يتعلق باللاجئين.
وفي تقدير مصادر مطلعة ان التوضيح الأممي من شأنه أن يبدد الالتباس الحاصل حول عبارات بيان بروكسل، مع العلم ان وزارة الخارجية كانت على علم بالبيان قبل صدوره، وان الوفد اللبناني الذي رافق الرئيس الحريري حاول تعديل مضمونه، لكنه لم ينجح في ذلك، على ما أكد عضو الوفد الوزير معين المرعبي الذي شدّد ان الوفد لا يتحمل مسؤولية هذا البيان ولم يكن طرفاً في صياغته.
ودعا المرعبي إلى عدم المزايدة بهذا الخصوص ومتابعة الموضوع بشكل لصيق وليس من خلال تصريحات «دونيكيشوتية» في إشارة إلى وزير الخارجية فلم الذي لم يحضر بنفسه إلى المؤتمر.
وكان الرئيس عون أبلغ السفير البريطاني في لبنان هوغو شورتر الذي زاره أمس في بعبدا إن رفض لبنان للعبارات التي ودرت في البيان يعود إلى كون هذه العبارات ملتبسة وتتناقض مع توجهات الدولة اللبنانية التي تتمسك بالعودة الآمنة للنازحين السوريين إلى بلادهم، لا سيما إلى المناطق المستقرة أمنياً، وتلك التي لم تعد تشهد قتالاً.