مع اقتراب الانتخابات التشريعية اللبنانية وتعدد مؤتمرات المانحين التي يشارك فيها المسؤولون الحكوميون، يبدو السؤال عما ينتج لبنان أو عن وظيفته الاقتصادية والسياسية في الإقليم، سؤالا يبرره اعتقاد راسخ أن الانتخابات المقبلة ستسفر عن مجلس نيابي قد يكون الأسوأ في تاريخ الجمهورية، وأن التسول في المؤتمرات الدولية هو نمط الإنتاج الوحيد الذي يبقي هذا البلد في منأى عن الانهيار الكامل.
القانون الانتخابي الجديد لن يحمل التغيير ليس بسبب تعقيداته وطغيان المرشحين من أصحاب الملايين مشبوهة المصدر على قائمة الراغبين في دخول الندوة البرلمانية فحسب، بل لأن التغيير ذاته مرفوض من قبل أكثرية وازنة من اللبنانيين الخائفين من أن أي تبدل في الوضع القائم سيكون نحو الأسوأ وأن المستقبل كالح السواد أمامهم ومن الأفضل الاحتفاظ بمن يعرفونهم من ممثلين ونواب، على الإتيان بآخرين غير مجربين.
سلعة التغيير المعروضة لا طلبَ عليها على رغم انطواء الشعارات الانتخابية على الكثير من الترداد الببغائي لهذه الكلمة. ما يجري على مستوى الكتل الطائفية الكبيرة هو تعميق الخنادق استعداداً لأيام سوداء قد تشهدها المنطقة، مع بعض التصحيحات الجانبية في التمثيل. الانهيار الذي بدا في مرحلة سابقة أن تيار المستقبل سيخسر فيه تمثيله للطائفة السنّية جرى تلافيه وأعيد ترميم زعامة سعد الحريري في اللحظة الأخيرة، بغض النظر عن المشروع (أو غياب المشروع) الذي يحمل لأسباب تتعلق بحسابات المواجهات الإقليمية والدولية.
فالغرب يطالب لبنان أن يبقى محتضنا لحوالى مليون لاجئ سوري وأن يمنع تدفقهم إلى أوروبا وتكرار موجة الهجرة الكبيرة من تركيا في 2014 و2015. لذلك تساهم المؤسسات المالية الدولية والحكومات الأوروبية والأميركية بتغطية الإدارة الكارثية للمالية العامة اللبنانية خشية سقوط الدولة وانتشار الفوضى وتوجه اللاجئين إلى الزوارق من جديد. تعرف كل الجهات المانحة مدى نفاق المطالبين بتمويل العجز والفساد والهدر في الدولة اللبنانية لكنها لا تجد بديلاً عن الدفع ومدى قصورهم عن الإتيان بأي إصلاح حقيقي ولو في مسائل تقع في صلب مسؤوليات الدولة، على غرار وقف التهرب الضريبي. المفارقة أن بعضاً من أكبر المستفيدين من القروض والتمويل الأجنبيين هم من أكثر المحرضين العنصريين على اللاجئين السوريين.
أما الشرق (إيران وتركيا وروسيا) فيرى في لبنان خط الدفاع الأول عن التسوية الكبرى الممتدة من تغيير الديموغرافيا السورية إلى المشروع النووي الإيراني، بما يتلاءم مع مصالح الدول المؤثرة هناك. على لبنان أن يمتص «فائض» السكان غير الضروريين في هذا التبديل، أولاً ويشارك في ردع إسرائيل عن توجيه ضربة قاسية إلى منشآت المشروع النووي الإيراني في حال انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي في شأنه وفي حال تصاعدت لعبة توجيه الرسائل الإسرائيلية الإيرانية في سورية وانقلبت حرباً واسعة النطاق.
يتسلى السياسيون والمواطنون اللبنانيون في الأيام هذه بانتخابات ستعكس مدى تعفن الوضع العام في البلاد وخروجها من دائرة الاهتمام الدولي ما خلا الوظائف المطلوب منها أداءها، والفشل المزمن للمجموعة السياسية الحاكمة ليس عن علاج الوضع القائم، ولكن عن تقديم أي تنازل يخفف حدة التوتر العام في البلاد ما دامت هي راعية التصعيد في الخطاب الطائفي المتشنج والمستفيدة من وضع لبنان على شفير الهاوية معتقدة أنها تستطيع التدخل لإنقاذه عندما تستنفد أغراضها من عملية الابتزاز الدائمة للبنانيين المنهكين والغافلين.