إتكلت السلطة على الكاميرات وراقبت انتخابات الأمس من بعيد، مثلها مثل اي مواطن مقيم في لبنان، ومن دون ان تنسى طبعاً الإشادة بما سَمّته «العرس الانتخابي»، الذي جرى بشكل طبيعي جداً ولم يسجّل فيه ما تمّ التخويف منه في لبنان، علماً انّ التشكيك بانتخابات المغتربين الذي عبّر عنه بعض السياسيين، لم يكن حول مجريات العملية الانتخابية وكيفية إدارتها في الخارج، بقدر ما كان وما يزال على كيفية نقل صناديق الاقتراع من الخارج، وعلى من يضمن عدم العبث بها خلال شحنها بالطائرات من تلك الدول الى بيروت.
وبصرف النظر عمّا اذا كانت نسبة الإقبال التي فاقت الخمسين في المئة، الا انها لم تخضع الى تقييم داخلي موحّد، بحيث اعتبرتها مصادر حزبية في الثامن من آذار في حدود المتوقع، فيما اعتبرتها جهات اغترابية رسمية بأنها دون سقف التوقعات الذي رسمت لها، بل مخيبة للآمال التي علّقت على استجابة اكبر للمغتربين وتسجيل نسبة اكبر من النسبة التي سُجّلت في انتخابات الأمس. وفي هذا السياق، لفت التوصيف الذي أطلقه معارضون للسلطة بأنها «انتخابات لم تردّ رسمالها، بل لم تردّ بعضاً من الكلفة التي صرفت على السفرات الخارجية والمؤتمرات في سبيل الوصول الى هذا الانجاز».
جنبلاط لـ«الجمهورية»
على انّ اللافت في المقابل، كان مُسارعة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزيرا الداخلية والخارجية الى إدراج انتخابات المغتربين في خانة الممتازة والانجاز الكبير، فيما وصفها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بالجيدة، وقال لـ«الجمهورية»: «إنتخابات المغتربين مؤشر جيد، لأنه في نهاية الامر باتَ هؤلاء يتمكنون من الانتخاب».
وأعرب جنبلاط عن استيائه من «الخطاب الذي يشيع جواً متشنّجاً عشية الانتخابات»، آملا في ان «ينتهي هذا الخطاب بعد الانتخابات، ومع تشكيل حكومة جديدة. فإعادة جَمع البلد مسؤولية مشتركة بين الجميع».
وقيل لجنبلاط انّ هناك من يطرح فكرة دخول الفرقاء في حوار بعد الانتخابات، فقال: «انا من المنادين دائماً بالحوار، ولطالما قلت انّ الحوار هو الطريق لأيّ حل. هناك حاجة كبرى لإنهاء المناخ السائد، خصوصاً انّ بعض الخطاب الذي صدر، ويصدر خلال هذه الفترة، هو خطاب متشنّج وغير ايجابي، ومن الضروري وقفه».
شكاوى
وعلى رغم اعلان السلطة بأنّ الجولة العربية من انتخابات المغتربين مرّت بسلاسة، وانّ وزارة الداخلية لم تتلق اي شكاوى حول اي ثغرات او ما شابَهها، علمت «الجمهورية» انّ مراجع وجهات سياسية تَلقّت على مدى نهار أمس، سلسلة من الشكاوى من بعض اللبنانيين المسجّلين في هذه الانتخابات، وكذلك من مندوبي بعض الماكينات التابعة لهم، حول حصول الكثير من الامور المُلتبسة، ومنها خلو لوائح الشطب من أسماء بعض المسجلين، وإضافة أسماء على بعض اللوائح في بعض الاماكن بخَط اليد وخلافاً للقانون، والتضييق على بعض الناخبين الذين ينتمون الى مناطق معينة وممارسة التهويل عليهم وتقييد حريتهم.
وبحسب المعلومات، فقد أفيدت المراجع المذكورة بأنه في بعض الاقلام في احدى العواصم العربية، تمّ منع ما يزيد عن 30 لبنانياً من احدى المناطق الجنوبية من الادلاء بأصواتهم، وابلغ بعضهم انّ اسماءهم تحت الخانة السوداء.
وهذا الامر حَرّك في الساعات الماضية اتصالات على اكثر من خط داخلي، عبّرت خلاله بعض المراجع عن استنكارها لهذا الامر الذي من شأنه ان يضع هذه الانتخابات مع نتائجها في خانة الشبهة، التي لا يمكن ان يُقبل بها. وقالت: «في الأساس، كنّا نخشى على كيفية نقل صناديق الاقتراع من العواصم العربية الى بيروت، وحذّرنا من أنها لن تكون مأمونة، لأنها تفقد في الطائرات من يحميها، وتكون عرضة للتلاعب فيها. والآن إضافة الى ذلك تبلّغنا بما أكّد خشيتنا ممّا كنا نخشى منه من ضغوطات وما شَابَه على الناخبين من لون معيّن ومن مناطق معينة».
وقال مصدر مسؤول معنيّ بلوائح الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية»: «إن صحّت هذه المعلومات، فمن الصعب علينا ان نُمرّر هذا، لا بل يستحيل علينا ان نمرّرها، وسنواجهها حتماً بالخطوات الملائمة لها، والتي ستكشف عن نفسها بنفسها».
في سياق متصل، أجمعت قراءة بعض الخبراء في الشأن الانتخابي للانتخابات الاغترابية العربية، على انّ أهميتها تكمن في انها المرة الاولى التي يشهد لبنان مشاركة للمغتربين في انتخاباته، وهو أمر يسجّل للقوى السياسية التي وافقت على هذا الامر. وبالتالي، لا يمكن مصادرة هذا الانجاز وتجييره لفريق دون غيره من الفرقاء. كذلك تكمن أهميتها في أنها قدّمت الصورة التقريبية لِما سيكون عليه حال انتخابات السادس من ايار من حيث نسبة الإقبال، ذلك انّ المزاج اللبناني واحد سواء أكان مقيماً او مغترباً.
وبالتالي، حماسة الناخبين تبقى دائماً ضمن السقف (قيل انها تخطت الستين في المئة)، فالناخبون في الخارج هم من مختلف الدوائر وبلغت نسبة إقبالهم اكثر من خمسين في المئة بدرجتين او ثلاثة، ما يعني انّ هذه النسبة هي النسخة المصغّرة عن النسبة التي ستصل اليها انتخابات 6 ايار، والتي تشكّل اختلافاً جوهرياً عن النسبة التي حققتها انتخابات العام 2009 والتي بلغت 55.65%.
ما يعني انّ الناخب اللبناني متأثّر بما هو متأثّر به سابقاً، وليس بالمؤثرات الجديدة التي سعى بعض الاحزاب والتيارات، وخصوصاً أحزاب السلطة، الى استخدامها لتحشيد الناخبين سياسياً وطائفياً ومذهبياً».
وكانت الجولة العربية من انتخابات المغتربين قد انطلقت في 6 دول هي: مصر، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، قطر، وسلطنة عمان، حيث بلغ عدد الناخبين المسجّلين فيها للانتخاب 12615 ناخباً. وقد فتحت صناديق الاقتراع في السفارات والقنصليات في حضور مندوبي اللوائح والمرشحين، اعتباراً من صباح امس وأقفلت عند الحادية عشرة ليلاً.
وعكست مواقف الديبلوماسيين والقناصل المُشرفين على العملية الانتخابية، انها تمّت في أجواء طبيعية في كافة الاقلام، وانّ عملية الانتخاب تتمّ بحرية من دون تَدخّل من أحد. وتمّ نقل وقائع العملية الانتخابية عبر كاميرات جهّزت لهذه الغاية في 6 دول عربية وفي 32 قلم اقتراع، وذلك حفاظاً على تأمين الحق الانتخابي بأعلى معايير الشفافية والنزاهة، على حدّ تعبير الامين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، الذي اشار الى «اننا لم نلحظ وجود مشاكل والتفاصيل التي أبلغنا عنها تمّ تذليلها، لم نلحظ أيّ مشكل خارج المألوف، بعض الانتقادات البسيطة قمنا بتوضيحها».
قائد الجيش
الى ذلك، أكد قائد الجيش العماد جوزف عون، خلال اجتماع عقده في اليرزة أمس مع الضبّاط العامّين والضبّاط القادة في الجيش، حيادية المؤسسة العسكرية في الاستحقاق الانتخابي. وقال: «الجيش على مسافة واحدة من مختلف الأفرقاء والمرشحين، وما يهمّ المؤسسة العسكرية ويعنيها هو فقط حفظ الأمن والاستقرار قبل العملية الإنتخابية وخلالها، وبالتالي إنجاز الاستحقاق النيابي بأعلى درجات الوعي والانضباط والحيادية المُطلقة».
جعجع وباسيل
على صعيد انتخابي وسياسي، يبدو انّ الهوّة السياسية الفاصلة بين حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» تتسِع أكثر فأكثر، ويلاحظ انّ الطرفين زادا في الآونة الاخيرة من وتيرة الخطاب التصعيدي بينهما المَقرون بتبادل «إبر ودبابيس سياسية» في محطات مختلفة.
وجديد هذه الجبهة القصف المباشر الذي وَجّهه رئيس «القوات» سمير جعجع في احتفال انتخابي في البترون أمس، باتجاه الوزير جبران باسيل، حين قال: «مَعو حق الوزير باسيل، كلّ عمرنا لا نستطيع ان نفعل ما فعله، لأننا أصلاً لا نريد ان نفعل ما فعله».
بروكسل
من جهة ثانية، ومع تفاعل المواقف الداخلية من البيان المشترك الصادر عن مؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» الذي عقد في بروكسل في 24 و25 نيسان الجاري، إضطرّت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان ومكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان الى إصدار بيان رسمي مشترك أرفِق بالنص الحرفي لِما سمّي «إعلان الرؤساء» المشاركين في المؤتمر، أكدت فيه «على أنه لم يحصل أي تغيير في موقف الأسرة الدولية». وقد تمّ التأكيد على هذا الموقف في «ورقة الشراكة مع لبنان»، التي أعَدّتها بصورة مشتركة لمؤتمر بروكسل حكومة لبنان والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إضافة الى الشركاء الدوليين.
عون: توضيحات
وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ البيان الذي صدر عن الهيئتين الأوروبية والأممية جاء بناء على طلب مُلحّ من رئيس الجمهورية، الذي شَدّد في حركة اتصالات ديبلوماسية على أهمية توضيح ما وَرد في البيان من عبارات أثارت مخاوف لبنانية جدية على المستويات الرسمية والحكومية والنيابية.
واكدت المصادر انّ اللقاء الذي جَمع رئيس الجمهورية بالسفير البريطاني في قصر بعبدا أمس، والذي حَدّد موعده قبل صدور البيان المشترك عن المؤتمر، شَكّل مناسبة للبحث في هذا الموضوع، وأكد خلاله رئيس الجمهورية على «رفض لبنان لعدد من العبارات المُلتبسة، والتي تتناقض مع توجّهات الدولة اللبنانية التي تتمسّك بالعودة الآمنة للنازحين السوريين الى بلاده، لا سيما الى المناطق المستقرة أمنياً، وتلك التي لم تعد تشهد قتالاً، وهي كثيرة على امتداد الاراضي السورية».
وشدّد الرئيس عون على انّ لبنان لم يقم يوماً بطرد نازحين سوريين من ارضه، وهو الذي استضافهم منذ العام 2011 ووَفّر لهم الرعاية الاجتماعية والتربوية والصحية والانسانية والامنية، لكنه في المقابل يشجّع الراغبين منهم في العودة الى بلدهم ويسهّل لهم ذلك، خلافاً لما تقوم به جهات دولية تحذّرهم من هذه العودة وتعرقل تحقيق رغباتهم.
السفير البريطاني
وعلمت «الجمهورية» انّ السفير البريطاني أكد لعون انّ بلاده لم ولن تخرج عن جوهر ومضمون المواقف المعلنة من ملف سوريا بكل وجوهه الديبلوماسية والعسكرية، ومسألة النازحين واللاجئين بشكل خاص، والتي لم يطرأ عليها أي تبديل.
وقال لعون: «نحن لم نطالب لبنان لا في الماضي ولا اليوم ولا في المستقبل بأيّ خطوات تشكّل خروجاً على قوانينه، وتهدّد أنظمته وآلية العمل في مؤسساته التي ترعى المقيمين على ارضه، ولا يمكن ان نقبل بأن يخالف النازحون واللاجئون السوريون هذه القوانين، وفي الوقت نفسه لا نقف بوجه من يرغب بالعودة الى سوريا».
وانتهى اللقاء على أمل أن يطلع السفير البريطاني رئيس الجمهورية على نتائج اتصالاته مع حكومته والتشاور في المستقبل، ممّا يخفّف من حدة القلق اللبناني