بعد عام من التجاذب السياسي ـ المالي في شأن بواخر الكهرباء، أقفل مجلس الوزراء، أمس، الملف. لا مكان للبواخر في الإجراءات التي عرضها وزير الطاقة سيزار أبي خليل على الحكومة. أعيد ترتيب الأولويات لمصلحة إنشاء معامل على البر. وإلى حين إنجاز هذه المعامل، يبدو ان استجرار الطاقة من سوريا سيكون هو الحل الموقت لزيادة الإنتاج.

ليس صحيحاً أن المشكلة كانت في تركيز بعض السياسيين أو الإعلاميين على موضوع استئجار البواخر، على حساب بقية بنود خطة الكهرباء، كما أعلن وزير الطاقة سيزار أبي خليل بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي عقدت، أمس، في القصر الجمهوري برئاسة العماد ميشال عون. 
الصحيح، بحسب وزير شارك في الجلسة، أن وزير الطاقة هو الذي لطالما أعطى الأولوية لمسألة استجرار الطاقة من البواخر، على حساب الخيارات الأخرى. وصل الأمر بوزير الخارجية جبران باسيل إلى حد القول إنه لن يسير بالموازنة إذا لم يقر التعاقد مع البواخر. وهذا الإصرار من قبل وزراء التيار الوطني الحر هو الذي أدى عملياً إلى خسارة سنة كاملة، كانت مليئة بالإشكالات القانونية المتعلقة بمناقصة البواخر، والتي لم تسمح بمرورها في إدارة المناقصات، على رغم كل الضغوط التي مورست على هذا الجهاز الرقابي، وتحديداً على رئيسه جان العلية، لا سيما من الرئيس سعد الحريري شخصياً، منذ عودته إلى رئاسة الحكومة.
لم يكن المطلوب رجم البواخر كخيار بالمطلق، لكن ما سعى إليه كثر، ومنهم حلفاء لوزير الطاقة، كان الشفافية وإعداد دفتر شروط لا يحصر المنافسة بعارض وحيد. السيد حسن نصرالله دخل شخصياً على الخط معلناً رفض البواخر، وهو عندما اجتمع قبل نحو شهر بوزير الخارجية جبران باسيل، حسم الأمر. هذا الموقف ربما كان العامل القاطع في تراجع التيار الوطني الحر عن إصراره. 
في المحصلة، يمكن القول، وبحسب قرارات جلسة الأمس، إن خيار البواخر لم يعد مطروحاً في الوقت الراهن، وإن طرح مجدداً فسيكون ذلك عبر مناقصة جديدة، علماً أن أبي خليل كان أشار رداً على سؤال إلى أن الاقتراح (البواخر) لا يزال موجوداً كما كان في آذار وحزيران وتشرين الثاني 2017، ضمن سلسلة اقتراحات أخرى مطروحة على مجلس الوزراء ليختار من بينها.
جلسة أمس شكّلت، بقراراتها، مخرجاً لائقاً للجميع، بعد تأجيل الإشكالات الفعلية، ضمنياً، إلى حين تشكيل حكومة جديدة. لكنها، مع ذلك وضعت إطاراً علمياً للمعالجات، يسمح، إذا ما تم الالتزام بالخطة، بتحويل مئات الوعود بكهرباء 24/24 إلى حقيقة خلال سنوات قليلة. أما الحل الموقت الذي سيعاد الاعتبار له، فهو استجرار الطاقة من سوريا، إذ نقل الوزير علي قانصو إلى مجلس الوزراء استعداد سوريا لبيع الطاقة إلى لبنان بأسعار مخفضة، وبكميات تصل إلى ألف ميغاواط، وهو الخيار الذي سبق أن أشارت إليه «الأخبار» في 13 نيسان 2018 في
بالمبدأ، لم يعارض أي من الوزراء هذا الحل، خصوصاً أن لبنان وصل مع نهاية العام الماضي إلى استجرار 276 ميغاواط من سوريا، قبل أن يؤدي تأخير الدفعات المالية المستحقة للسوريين إلى تخفيض هذه الكمية وصولاً إلى التوقف عن بيع الطاقة السورية للبنان، وبالتالي، فإنه يمكن إعادة تفعيل هذا الخيار في أي وقت، وهو لا يحتاج إلى قرار وزاري، بل يعتمد على الاتفاقيات الموقعة بين كهرباء لبنان ومؤسسة الكهرباء السورية. الحماسة الوزارية لهذا الخيار كانت واضحة، مع التأكيد على ضرورة الحصول على السعر الأفضل. وزير الخارجية جبران باسيل اعتبر أن الأولوية تبقى للسعر، حتى لو اقتضى الأمر إطفاء المعامل إذا كان سعر الاستجرار أرخص من الطاقة المنتجة في لبنان. 
الأهم في جلسة أمس أنه تمت إعادة الاعتبار لخطة الكهرباء التي أقرت عام 2010، كما وافق مجلس الوزراء، بحسب المقررات الرسمية، على «العرض الذي قدمه وزير الطاقة للإجراءات المتوجب اتخاذها لإنقاذ قطاع الكهرباء، في معظم البنود التي تضمنها اقتراح الوزير». وكان لافتاً للانتباه أن المجلس ترك أمر التمديد للباخرتين الحاليتين (380 ميغاواط) معلقاً، علماً أن العقد ينتهي في أيلول المقبل.


أبرز البنود التي أقرت، وأعلنها أبي خليل في مؤتمر صحافي بعد الجلسة، يتعلق بمعمل دير عمار، إذ كلف مجلس الوزراء أبي خليل ووزير المال علي حسن خليل إجراء مفاوضات مع الشركة المتعهدة لتحويل العقد من وضعه الحالي IPC (يبنى لمصلحة الدولة) إلى طبيعة مشابهة للـBOT أو عقود شراء الطاقة على المدى الطويل. ويؤمل من مرحلة التفاوض الجديدة أن تتخطى مسألة التعويضات التي طالبت بها الشركة (150 مليون دولار، مع الاحتفاظ بحق التفاوض على الشروط الفنية لاحقاً). 
ثانياً، فوض مجلس الوزراء وزير الطاقة توقيع العقد مع IFC وهي الاستشاري المعاون للدولة بإدارة مناقصات إنشاء المعملين من قبل القطاع الخاص: الأول في سلعاتا والثاني في الزهراني، وقد تمت الموافقة عام 2010 على انشائهما من قبل القطاع الخاص، وهما ضمن المخطط التوجيهي العام الذي أنجز لزيادة المعامل، وتم اختيارهما بسبب سهولة الربط على الشبكة، ولكون ملكية الأراضي التي يتواجدان عليها تعود الى مؤسسة كهرباء لبنان، كما تمت الموافقة على تأمين الأموال اللازمة لتغطية مصاريف توقيع هذا العقد.
ثالثاً، أعيد التأكيد على مشروع استقدام محطات الغاز السائل، حيث أشار أبي خليل إلى أن دفتر الشروط جاهز في هذا المجال وسوف يتم عرضه على مجلس الوزراء في الجلسة المقبلة.
رابعاً، تم التمديد إلى مقدم الخدمات في المنطقة الثالثة أي شركة NEUC (مجموعة دبّاس) وفق الإطار الذي عرض على مجلس الوزراء، ما يسمح باستئناف الخدمات الكهربائية في منطقة واسعة من لبنان، بعد أن أثرت الإضرابات المتلاحقة وتعثر مقدم الخدمات، سلباً على الخدمة في هذه المنطقة.
خامساً، قرر المجلس تسريع الإجراءات لإحالة مشروع القانون وتأمين التمويل اللازم لمشاريع النقل بعد الموافقة عليه في تشرين الثاني الفائت.
سادساً، تم الطلب من مجلس الخدمة المدنية استكمال العمل بالقانون 287 وإجراء المباريات لعمال غب الطلب السابقين في مؤسسة الكهرباء، وإحالة مشروع قانون لتمديد العمل بالقانون 54 الذي يسمح للقطاع الخاص بإنتاج الطاقة الكهربائية ومنح الرخص وفق اقتراح وزيري الطاقة والمال.
سابعاً، طُلب توزيع مشروع قانون تعديل القانون 462 المتعلق بالكهرباء، الذي تم العمل عليه في الحكومات السابقة، ولم يكن باعتراف جميع الأرقاء، تطبيقه ممكناً وفق بنوده الحالية، وسيدرسه مجلس الوزراء قبل إحالته إلى مجلس النواب.