عندما تنقص الأنزيمات المولّدة للون الشعر «تيروسيناز» Tyrosinase، وعندما ينخفض عدد خلايا الميلانين في منبت الشعرات، يتغيّر تدريجاً لون الشعرة، ويتحوّل إلى اللون الأبيض. كما تنمو بعض الشعراث في فروة الشعر بدون الميلانين ويكون لونها أصلاً أبيض. وهناك الشيب المبكر الذي يظهر بعمر الشباب وسببه فرط عمل الغدّة الدرقية أو فقر الدم أو حتّى أسباب نفسية منها القلق المزمن أو الكآبة.
الشعرة الأولى... كارثة
من منّا، لم يكن واقفاً أمام المرآة، يهندم شكله ويمشّط شعره... وفجأةً، ظهرت الشعرة البيضاء أمامه. طبعاً، ردّة الفعل الأولى هي: «ماذا؟ شيب في شعري؟».
وكأننا نقول لأنفسنا: «الشعر الأبيض ليس لي، هو للآخرين... لا يجب أن «أصاب» بالشعر الأبيض!». وتصبح المرآة الصديقة الوفية في هذه المرحلة، حيث يلجأ إليها «الشخص القلق» ويتفحّص شعره، ربّما كلّ يوم... ليتأكّد إذا نمت شعيرات أخرى بيضاء. ومن منّا لم «ينتف» هذه الشعرة البيضاء معتبراً بأنها واحدة و»لن تتكرّر»... ولكن للأسف «ستتكرر» وسيغزو الشيب فروة رأسنا.
يفسّر التحليل النفسي بأنّ ظهور الشعر الأبيض على رأس الإنسان يعني بأنه يتقدّم بالعمر، وإذا كان هذا الشخص يعاني أصلاً من القلق، سيشعر بأنّ الموت قد إقترب. لذا تهدئة البال، وتقبّل «الشعرة البيضاء» أو الشيب أمرٌ ضروري ومرحلة مهمّة في حياة الإنسان. كما يجب النظر إلى تلك الشعرة الصغيرة البيضاء على أنّها رمز «للنضج».
الشعر الأبيض... والسن!
الخبر السار، أنّ الشيب بشكل عام، لا يظهر في ربيع العمر... ولكن لا يمكن تعميم هذه المعلومة. تختلف الأعمار التي تبدأ فيها ظهور الشعر الأبيض على رؤوسنا، بين إنسان وآخر... حسب عرقه أو الإثنية التي ينتمي إليها. وبشكل عام، يتراوح سنّ الشيب عند الأشخاص ذات البشرة البيضاء ما بين 30 إلى 35 سنة. أما عند الأشخاص ذات البشرة السمراء أو السمراء الداكنة الداكن فهو بين 40 و45 سنة.
ويظهر الشعر الأبيض على رؤوس الأشخاص الآسيويين في عمر 45 إلى 50 سنة. ولكنّ لكل إنسان ميزاته وتكوينه الجيني الذي يجعله مختلفاً عن الآخر. لذا يمكن أن نجد شخصاً، ذات البشرة البيضاء، تجاوز الخمسين عاماً، ولم يُصب بالشيب، وشخص آخر ذات البشرة السمراء، بدأت ملامح الشيب تظهر عنده، وهو في العشرينات من العمر.
كما يمكن للإنسان أن يعاني من الشيب المُبكر في عمر العشرينات إذا كان من ذوي البشرة البيضاء، وفي عمر الثلاثينات إذا كان من ذوي البشرة السمراء والصفراء. وهذه القابلية للشيب المُبكر هي من الصفات التي يمكن أن يرثها عن أحد الأبوين أو كليهما.
تهدئة الذات... وتقبّل «الشعرة البيضاء»
عندما يبدأ الشيب بالظهور، يغزو عادةً فروة الرأس بسرعة، ولكن ذلك أيضاً يختلف بين الأشخاص. طبعاً الشعر الأبيض يغزو الرأس بغضّ النظر عن نوع الشعر أكان ناعماً أو متجعّداً أو حريريّ الملمس أو العكس. ويربح الشيب «معركته» ويتفشّى في فروة الرأس في سنّ الخمسين من عمر الإنسان، تقريباً.
وهنا يبدأ التستّر على الشيب، على رغم بعض التشجيعات منها: «الشيبة هيبة!»... ولكنها لا تنفع دائماً خصوصاً إذا كان الإنسان غير راضٍ عن شكله الجديد ولون شعره الناصع. ويهرع المصاب بالشيب إلى الصبغات الكيميائية أو تلوين شعره لمعالجة قلقه وخوفه من التقدّم في السن.
«أنا شائب... إذاً أنا موجود»
لكل إنسان طريقته الخاصة للتخفيف من قلق الشيب وللتعويض عن «الشعرة البيضاء» التي تصبح هاجساً عند البعض. وهنا ثمّة نصائح تساعد على تخطّي «قلق الشيب»:
أولاً، لا تكترثوا للآخرين وما يقولونه عن شعركم الأبيض. بعض الأشخاص يتلذّذون بوجود شعرهم الأبيض معتبرين بأنّه ليس سوى دليل على نضجهم في الحياة.
ثانياً، إذا كان «قلق الشيب» يهيمن على حياتكم، إلجأوا إلى الصبغات التي يمكن أن تخفّف من هذا القلق بشكل كبير.
ثالثاً، لا تخجلوا من شعركم الأبيض، بل تحدّثوا عنه أمام الأصدقاء واجعلوه «صديقاً» يجب تقبّله كما هو.
رابعاً، الإهتمام بالذات وبالشكل، أمر ضروري بالنسبة لكلّ إنسان، ولكن انتبهوا أن لا يصبح شكلكم الخارجي هوساً يومياً، بل تقبّلوا تقدّمَكم في العمر، حتى لو كان الأمر صعباً واعرفوا أنّ كلّ إنسان سيتقدّم بالعمر وسيعايش الشيب.
خامساً، إبتعدوا عن القلق المزمن والكآبة أو الحزن قدر المستطاع للتخفيف من سرعة بزوغ الشعر الأبيض من خلال ممارسة الرياضة التي تصقل الشكل الخارجي.
(د. أنطوان الشرتوني)