يعطي الاعتداء على الزميل علي الأمين في بلدته شقرا الواقعة في جنوب لبنان مجرّد فكرة عمّا ينتظر اللبنانيين في حال فوز “حزب الله” في الانتخابات النيابية التي يبدو البلد مقبلا عليها في السادس من أيار – مايو المقبل.
لم يتوقع الحزب الساعي إلى الهيمنة على لبنان واللبنانيين حجم ردود الفعل على ما أقدم عليه في حق علي الأمين ابن العائلة الجنوبية العريقة، التي منها العلماء والفقهاء في الدين والاجتهاد. هذه العائلة التي لا تحتاج إلى شهادة في الوطنية من أحد، خصوصا من حزب مذهبي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.
في كلّ الأحوال، يفترض في الاعتداء الذي تعرّض له علي الأمين بصفة كونه مرشحا في لائحة “شبعنا حكي” عن مقعد شيعي في إحدى دوائر جنوب لبنان أن ينبه اللبنانيين إلى خطورة الاستحقاقات التي يبدو بلدهم مقبلا عليها. تأتي هذه الاستحقاقات في ظلّ ظروف إقليمية أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها معقدة، إضافة إلى أنّها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة.
تستدعي هذه التعقيدات وجود سعي دؤوب لدى “حزب الله” إلى الإمساك أكثر بورقة لبنان. يحدث ذلك في وقت بات يتوجب على إيران أن تفهم أنها ليست في موقع يسمح لها بالبقاء في سوريا وحتّى في العراق الذي اعتقدت أنّه صار في جيبها بعدما قدّمته لها الولايات المتحدة على صحن من فضّة في العام 2003.
ليس سرّا أن الاعتداء على السيد علي الأمين، وهو سيد حقيقي، مرتبط بالأزمة العميقة التي يمر فيها “حزب الله” والذين يقفون خلفه في طهران. هذه أزمة مرتبطة إلى حدّ كبير بفشل المشروع التوسّعي الإيراني القائم على إثارة الغرائز المذهبية أولا وأخيرا.
من مظاهر الضعف التي يعاني منها “حزب الله”، ذلك الإصرار على الإمساك بلبنان، وببيروت تحديدا، والحصول على الأكثرية، ولو الأكثرية البسيطة، في مجلس النواب الجديد عبر يتامى النظام الأمني السوري – اللبناني السعيد الذكر. الأكيد أن القانون الانتخابي العجيب الغريب الذي تجري على أساسه الانتخابات يمكن أن يساعد الحزب في تحقيق هدفه. لكنّ ذلك لا يعني أن اللبنانيين عموما، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية الذين يعرفون “حزب الله” عن كثب، سيتوقفون عن المقاومة. ما أكّده الرئيس سعد الحريري مرارا في الجولات الانتخابية التي يقوم بها بصفة كونه زعيم “تيّار المستقبل” أن المقاومة مستمرّة وأن لبنان لم يستسلم بعد.
في مثل هذه الأيّام من العام 2005، في السادس والعشرين من نيسان – أبريل تحديدا، انسحب الجيش السوري من لبنان. جاء انسحابه نتيجة غضب اللبنانيين على الذين اغتالوا رفيق الحريري. هؤلاء صاروا معروفين جدا، بل إنهم معروفون أكثر من اللزوم. معروفة الجهة المحرّضة ومعروفة الجهة المنفّذة ومعروف الأشخاص الذين تولوا المهمة البشعة التي استهدفت، عبر اغتيال رجل، اغتيال وطن اسمه لبنان.
لم تمض سوى تسعة أسابيع على استشهاد رفيق الحريري حتّى صار السوري خارج لبنان. منذ خروج السوري من لبنان، لا تزال هناك محاولات لإحلال الوصاية الإيرانية بديلا من الوصاية السورية. ليست الانتخابات المقبلة سوى خطوة أخرى على طريق بلوغ هذا الهدف عن طريق قانون انتخابي سعى “حزب الله” من خلاله إلى شرذمة للقوى التي منعته مرارا من تحقيق الانقلاب الكبير الهادف إلى تحويل لبنان مستعمرة إيرانية.
من مظاهر الضعف التي يعاني منها “حزب الله”، ذلك الإصرار على الإمساك بلبنان، وببيروت تحديدا، والحصول على الأكثرية، ولو الأكثرية البسيطة، في مجلس النواب الجديد
كانت الاغتيالات التي استهدفت الشرفاء، بدءا بسمير قصير، الخطوة الأولى على طريق إسكات المقاومة اللبنانية. كانت حرب صيف 2006 خطوة أخرى على طريق إغراق لبنان في الدمار من أجل تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري. لم تكن حرب صيف 2006 خطوة كافية للتغطية على الجريمة. كان لا بدّ من احتلال وسط بيروت، ثم غزو العاصمة والجبل في أيار – مايو 2008. لم يكن ذلك كافيا لإسكات المقاومة اللبنانية التي ردت بإلحاق الهزيمة بـ”حزب الله” والذين يقفون خلفه في انتخابات العام 2009 التي منعت إيران من استكمال وضع اليد على لبنان.
ما نشهده اليوم استكمال للمحاولة الانقلابية التي من فصولها مشاركة “حزب الله” في الحرب على الشعب السوري منذ العام 2011، وهي حرب سبقها انقلاب على حكومة الوحدة الوطنية التي شكّلها سعد الحريري من أجل المحافظة على ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ما نشهده اليوم أيضا هو سعي لظهور “حزب الله” في مظهر من يمتلك مشروعا اقتصاديا للبنان. لو كان الحزب يمتلك حقا أي مشروع غير مشروع إفقار اللبنانيين ونشر البؤس في كل منطقة يستطيع الوصول إليها، لما كان سعى إلى عزل لبنان عن محيطه العربي، خصوصا عن دول الخليج على رأسها المملكة العربية السعودية. لو كان بالفعل يريد الخير للبنان واللبنانيين لكان سلّم المتهمين في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه إلى المحكمة الدولية.
يتبيّن كل يوم أن حقد “حزب الله” على رفيق الحريري وعلى كل من بنى حجرا في بيروت هو من النوع الذي لا حدود له. هناك حقد ليس بعده حقد على لبنان وعلى كل لبناني ناجح وعلى بيروت بالذات.
لم يكن الاعتداء على علي الأمين مجرّد اعتداء على شيعي لبناني ترشح ضد “حزب الله” في إحدى دوائر جنوب لبنان. أظهر هذا الاعتداء إلى أي حد وصل الحزب في إفلاسه من جهة، وإلى المدى الذي يبدو مستعدا للذهاب إليه من جهة أخرى. يفعل ذلك من أجل تأكيد أن المشروع التوسّعي الإيراني ما زال حيا يرزق، وأن لبنان جزء من هذا المشروع، وأن بيروت عاصمة عربية أخرى تقع تحت السيطرة الإيرانية. مطلوب من بيروت ألا تقاوم. لكن من قاوم الإسرائيلي في 1982 سيستمر في مقاومة الإيراني في 2018، علما أن مقاومته للإيراني صار عمرها سنوات وسنوات.
ليس كلام وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق عن أن الخيار صار واضحا وأنّه بين مشروعين سياسيين، وأن معركة بيروت في الانتخابات المقبلة هي بين هذين المشروعين، سوى كلام واقعي. إما بيروت العربية، وإما بيروت الواقعة تحت الهيمنة الإيرانية. ذنب علي الأمين أنه قال لا للهيمنة الإيرانية. قال لا لـ“حزب الله”. قال لا لإيران. كلمة لا التي قالها كان يمكن أن تمرّ لو لم يكن شيعيا من جنوب لبنان يمتلك حيثية. حيثية تؤكد أنّ وضع إيران يدها على الشيعة العرب وعلى بيروت العربية ليس قدرا…