من يراقب الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون يكاد لا يصدق أن هذين الرئيسين تربطهما صداقة عجيبة. استقبال ترامب لماكرون كان بالغ الحرارة والود أمس في البيت الأبيض ومونت فيرنون. ترامب البالغ من العمر ٧١ سنة، رجل اعمال غير مثقف جذبته شخصية ماكرون (٤٠ سنة) المثقف واللامع الذي قاد حملة لانتخابه الرئاسي في فرنسا أثارت إعجاب ترامب.
فقد نقل عن ترامب أعجابه بأسلوب تسلم ماكرون الرئاسة ودخوله في متحف اللوفر ومخاطبة الفرنسيين من هذا المكان التاريخي. وكلما سئل ماكرون في أحاديثه مع الصحافة في فرنسا عن كيفية تعامله مع ترامب الذي يحتقره الكثير من الفرنسيين فيرد ماكرون بواقعيته المعهودة «هو رئيس أميركا المنتخب من الشعب الأميركي وأنا أتعامل معه بناء على ذلك». وماكرون لامع ومدرك انه بحاجة ماسة الى مثل هذه العلاقة ويستفيد منها كونه الرئيس الأوروبي الأقرب من الناحية الشخصية الى ترامب الذي تربطه علاقة مختلفة مع تيريزا ماي وأنجيلا ميركيل، خالية من الود والقرب الشخصي مثلما هي مع ماكرون. فاستطاع ماكرون بذلك ان يتحول عبر هذا الود الى نوع من ناطق رسمي قيادي أوروبي على أكثر من ملف مع أميركا.
لكن على رغم ذلك الخلافات عميقة بين الإثنين وهي لن تحل بالصداقة لأن النفوذ الأميركي هو الأقوى في المعادلة العالمية. فترامب عازم على المضي قدماً في ١٢ أيار (مايو) في الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران لأنه يراه سيئاً. وقد يعيد جزء من العقوبات على ايران التي كانت قد رفعت سابقاً. والشركات الأوروبية التي وقعت اتفاقات مع ايران منها الفرنسية، وفي طليعتها توتال النفطية، والبريطانية والألمانية ستبحث مع الأميركيين عن استثناءات ويصعب التوقع ان يوافق ترامب عليها خصوصاً مع عقيدته أميركا أولاً التي لن تسهل الأمور للتنافس الأوروبي أينما كان خصوصاً في إيران. وإيران موضوع يتعلق تعلقاً وثيقاً بسورية أيضاً. فالقوات الإيرانية موجودة بقوة لحماية بشار الأسد إما عبر إيرانيين أو لبنانيين ينتمون إلى حزب الله. ويدرك الفرنسيون انه إذا خرجت القوات الأميركية من سورية سيخرجون ايضاً لأن القوات الفرنسية لن تبقى وحدها هناك. عندئذ ستسرع قوات النظام مع حزب الله وإيران للتوسع والتمركز مكان الأميركيين.
سيحاول ماكرون إقناع ترامب بالبقاء في سورية ولكن الأخير لا يحبذ تدخل جنوده في الأرض السورية. وحجة التوسع الإيراني قد تقنع ترامب ولو انه سلم الورقة الإيرانية في سورية الى اسرئيل. وقد بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بضرب القدرات الإيرانية على الأرض في سورية. نتانياهو ابلغ وزير الخارجية الفرنسي انه لن يقبل بقدرات عسكرية ايرانية على حدود إسرائيل وكلما أدرك بوجودها في سورية سيضربها. وفي الواقع، قد بدأت هذه الضربات.
ترامب سيطلب من ماكرون التشدد مع حزب الله. يرى الجانب الأميركي ان فرنسا متساهلة مع مسألة حزب الله في لبنان وأنه ينبغي وضع الحزب كله تحت العقوبات الأوروبية وليس فقط الجناح العسكري لأن ليس هناك اختلاف بين الإثنين. الا ان باريس تعتبر ان ذلك غير ممكن لأنه يعني الطلب من رئيس الحكومة اللبناني ان يُخرج حزب الله من الحكومة وأن ينقطع الحوار بين باريس وأعضاء الحزب وهذا ما لا يريده الجانب الفرنسي. فالخلاف يبقى عميقاً حول الملف الإيراني كما سيبقى عميقاً حول مسيرة السلام في الشرق الأوسط فصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير هو الذي يمسك بالملف والذي هندس مع صديقه نتانياهو مشروع سلام لم يضعه بعد الأميريكيون على الطاولة بسبب المعارضة الواسعة له. وماكرون كان انتقد قرار ترامب نقل السفارة الأميركية الى القدس لكن الأخير لم يبال ولم يستمع الا لصديقه نتانياهو.
وعلى رغم ان صور زيارة ماكرون الى ترامب ستعكس تحالف وعلاقة قوية بين الرئيسين والبلدين، فلن يغير ذلك في أسلوب ترامب في إدارة شوؤن العالم من نظرته الخاصة. ولكن على رغم ذلك ان العلاقة بينهما مهمة لفرنسا لأنها تعطي زخماً لدور ماكرون مع نظرائه الأوروبيين وعلى الصعيد الدولي واستقبال ترامب وميلينيا أمس لإيمانويل وبريجيت ماكرون أكد ذلك.