هل ينجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إقناع نظيره الأميركي دونالد ترامب، بعدم إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فتتغيّر مسارات العلاقات الإيرانية – الأميركية – الأوروبية، وتَشكُّل العلاقات وطبيعتها في منطقة الشرق الأوسط؟
رغم الطبيعة القوية لعلاقات ماكرون مع ترامب، فلا شيء يضمن سماع الرئيس الأميركي لصوت العقل «الماكروني» ومن بعده أو معه صوت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل!. المشكلة أنه لو قال العالم كله - وهو قالها فعلاً، إذا اعتبرت أوروبا والصين وروسيا - لا يجب تمزيق الاتفاق، وقال ترامب في 12 أيار القادم، «انا ألغي الاتفاق»، فإن كلمة ترامب هي القرار.
الرئيس الفرنسي يحاول كل جهده وبكلّ ما لديه من حجج ووسائل أن يؤثر على الرئيس الأميركي، خصوصاً أنّه سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ماكرون قال عبر التلفزيون الأميركي «علينا ألاّ نبدو ضعفاء أمام الرئيس بوتين لأنه شخص قوي جداً، وهو يتدخل في كل مكان ويسعى إلى روسيا كبرى.. ولديه مفهوم خاص للديموقراطية». باختصار يحاول ماكرون أن يثبت «لصديقه» ترامب «أنّ في الاتحاد قوة»، ولكن ليس هناك ما يؤكد نجاحه في مهمته، رغم ترسخ الرأي القائل، بأن «الحرب الباردة عادت».. وإنه من الطبيعي إذن العمل بقواعدها وشروطها وأهمها المحافظة على الجبهة المضادة للجبهة الأخرى المُشكّلة من روسيا والصين ومعهما قوى إقليمية رئيسية منها تركيا وإيران.
من الواضح، أن قوى مهمة، بدأت تعي التحول الحاصل في تَشكُّل العالم الجديد. حتى أكثر المتشدّدين والمتصلبين استوعبوا ما يحصل، فبدأوا يجرون تغييرات عميقة وحساسة كلٌ على طريقته وبما يتناسب مع المجتمعات التي تشكّلت طوال العقود السابقة.
كوريا الشمالية، التي كان زعيمها كيم جونغ أون يجلس في مكتبه وأمامه الزر النووي، ومن فترة إلى فترة، يهزّ العالم وأجهزة الإعلام بتجربة نووية جديدة، قَبِل عروض التفاهم تحت سقف التفاوض على وقف تجربة السلاح النووي قبل لقاء القمة بينه وبين الرئيس الأميركي. ويبدو أن نجاح لقاء بومبيو مع الزعيم الكوري الشمالي، مهّد بقوة للقمة الاستثنائية والتاريخية التي ستطفئ ناراً تهدّد العالم بالاشتعال. يبقى السؤال ما هو حجم التغيير الذي سيحصل في كوريا الشمالية داخلياً إذا نجحت القمة بين جونغ وترامب؟ وكيف ستتعامل الصين وحتى موسكو مع زعيم كوريا الشمالية الذي سيبقى محتاجاً لهما ولكن ليس كما الآن؟
في هذه الأثناء يحصل تغيير تدريجي وهادئ في كوبا «القلعة» الموازية لأميركا، يؤكد أن القوة وحدها لا تنجح، وأن للتشدد الإيديولوجي نهاية خصوصاً إذا انخفض سقف التهديد والمقاطعة. تسلم دياز كانيل الرئاسة من كاسترو-2، يؤشر إلى هذا التغيير، الكرة أصبحت الآن في «الملعب الأميركي». كيف سيتعامل معها الرئيس الأميركي؟ هل سيرسم مسارات جديدة وتاريخية على ضفاف الولايات المتحدة الأميركية وفي «البيت الخلفي» لها في أميركا اللاتينية؟
إيران، تبدو ممزقة وحائرة بين التجربتين الكورية الشمالية وكوبا في التعامل مع واشنطن. يومياً ترفع طهران سقف خطابها في مواجهة واشنطن. معتمدة في هذا، المسار الكوري الشمالي. وإن كانت لا تملك ما تملكه كوريا الشمالية من صواريخ نووية. وقد وصل الأمر بطهران أن أميرال البحر فيها أكد «أن الأسطول الأميركي في الخليج خاضع لإيران».
ويبدو أنّ الإيرانيين الذين يعانون من ضائقة اقتصادية عميقة أبرز مظاهرها الحالية الانخفاض الحاد لـ«التومان» في مواجهة الدولار، لا يصدّقون هذه التصريحات حتى ولو لم يطلعوا على ردود الفعل الدولية بعد وقف العمل بالمواقع الاجتماعية الدولية. وقد وجدت القيادة الإيرانية السياسية والعسكرية "سلاحاً مهماً يغنيها عن الصواريخ النووية لتهديد واشنطن به، وهو رفع صوت التهديدات بزوال إسرائيل. طهران تعلم جيداً، أنّ العالم يهمّه أمن إسرائيل، وليس أسهل من الطلب بقوّة من خصمك وحتى عدوّك وأنت تضع فوّهة المسدس على رأس «الابن المدلّل له». وبطريقة مسرحية لا تخلو من الإثارة، هدّد الجنرال حسين سلامي بأنّ «صواريخنا جاهزة للإطلاق.. الإسرائيليون محاصرون في فم الثعبان.. ولا مكان يفرّون إليه سوى رمي أنفسهم في البحر». أمام هكذا مصير للإسرائيليين لا يبقى للرئيس ترامب وواشنطن سوى التفاوض مع طهران للمحافظة على إسرائيل. أما ماذا سيجري إذا ما نجحت المفاوضات ورُفع سلاح الموت عن إسرائيل، فلا يبدو حتى الآن أن طهران مهتمّة، علماً أنّه لا يوجد في العلاقات الأميركية - الإيرانية «هدايا»، ولذلك فإنّ كل حركة أمامها حركة موازية ومن وزنها على «رقعة شطرنج» منطقة الشرق الأوسط. جونغ سيتخلى عن السلاح النووي فهل ستضطر إيران للتخلي عن «سلاح» تهديد إسرائيل باتجاه التهدئة والتفاهم لاحقاً؟ ما يعزّز ذلك، أنَّ ماكرون يؤكد دائماً على وجوب عدم مغادرة سوريا بعد الانتصار على «داعش» حتى لا تتمدد إيران في سوريا أكثر فأكثر.. خصوصاً «أن أمام واشنطن وباريس وباقي الحلفاء ولروسيا وتركيا دور كبير في بناء سوريا». باختصار حصة أساسية من «الكاتو السوري».
أمام ترامب امتحان دولي مهم، يجب أولاً التأكيد بأنَّ «لا حرب بين الحلفاء»، وأنّ عليه الأخذ في الاعتبار مواقف شركائه الأوروبيين. كذلك أمام «الجمهورية الإسلامية في إيران» استحقاق مصيري (من دون مبالغة) لأن عليها أن تقرر أي مسار ستختاره للتعامل مع واشنطن والعالم. المسار الكوري الشمالي أم الكوبي الذي يعني أن تكون البداية في تحقيق الإصلاح الداخلي أساساً، ومن ثمَّ التفاوض مع الخارج. ما يعزّز الخيار الأخير أنّ استعدادات حقيقية بدأت لتنفيذ استحقاق مسار جنيف لإخراج سوريا من قلب نار «الحرب المتناسلة» فيها.