قال النائب الان عون في برنامج "لوين واصلين" مع الإعلامية ديما صادق: نحن طائفيون في السلوك، لكن نحن وطنيون في المضمون.
واعتبر عون ان "الضيق" الذي لم يُخفِه من الانتشار الشيعي في منطقة الحدت، لا يتعارض مع "التوازن الذي نقوم به بين العيش المشترك والمحافظة على خصوصية المنطقة"، ولا سيما ان الشيعة لهم نصف الحدت، وكأن الخصوصية تفرض إجراءات تحدّ من توسعهم الاستعماري. ولكن بكل وطنية ومحبة. وما تفهمونا غلط.
ما علينا، فالنائب عن الأمة لم يأت بما يخالف خطاب غالبية - إن لم نقل كل - الأحزاب السلطوية التي تتحكم بالبلاد، كل من موقعه وانتمائه وفق المذهب، وتكرس التنابذ الطائفي في لبنان وتحوّله محاصصة بين القوى التي تصادر الطوائف.
المحاصصة ترجمها عون خصوصيات، ولم يجد حاجة لتغليب المواطنة على هذه الخصوصيات. أعطاها الأولوية. قال لضيفه "الناشط الشيعي" عباس زهري: عندما يحق لطائفة ان تمنع الشرب (شرب الخمر) في منطقتها، نلتزم. إن لم تسمحوا لنا بأن ندخل بعاداتنا اليكم. لن نسمح لكم بأن تدخلوا بعاداتكم الينا. والأحسن ان لا تدخلوا. ما يعني ان الطائفة قبل الوطن، وما يعني ان مصادرة أولاد الطائفة وقرارهم هي لحمايتهم من الآخر الذي يمكن ان يتغير وفق متطلبات المرحلة.
اليوم في ظل التحالفات الجديدة، لا بأس بالتوضيح: "مش المنطقة الشيعية، ولكن تلك التي فيها أكثر شي شيعة".
والمنطقة التي "فيها أكثر شي شيعة"، لا تشرب الماء الا بعد ان تشرب المنطقة المسيحية ويفيض ماؤها، كما شكا عباس زهري، ليضيف اتهاماً اشكالياً للنائب العوني وما يمثله ومن يمثله، وهو الفوقية القائمة على معادلة النوعية والكمية تجاه الشيعة، والتي تنادي باستعادة الحقوق المسيحية المسلوبة بموجب الطائف، ملوّحاً عبر الدعوة الى اعتماد الفيديرالية، بمطلب شيعي مبطن لتعديل اتفاق الطائف نحو المثالثة في السلطة بما يتناسب وحجم الطائفة العددي والمدعوم بفائض القوة وفائض السلاح اللذين يؤمّنهما الواقع الحالي المحوري والإقليمي لـ"حزب الله".
فرك عون يديه وتلعثم وفتّش عن ألفاظه وعباراته، مع جهد فائق في التهذيب، لكن يجب ان تصل الفكرة. نحن نحافظ على خصوصية منطقتنا المسيحية ونحمي أهلها من الطوائف الأخرى. وعليكم ان تنتخبونا نحن وليس غيرنا من القوى السياسية الموجودة على الساحة.
بيت القصيد هنا. وهو ليس حكراً على ألان عون وتياره القوي. لعله القاسم الوحيد المشترك الذي ينادي لفظيا بالتعايش وفق ما تفرضه مصلحة هذه الطبقة السياسية لإحتكار السلطة بتناغم ملغوم وتواطؤ ضمني يدحض المواجهات الجوفاء العلنية، مقابل مواصلة اللعب على الوتر الغرائزي للناخبين المدرجين على لوائح الشطب الخاصة بالدوائر الانتخابية لكل فريق وليس لسواه من المواطنين.
انكشاف اللغة الطائفية وأدبياتها في اعلان انعدام الود المستحدث بين العونيين و"شيعة الرئيس نبيه بري"، على ما يحاول التيار القوى التمييز بلسان مسؤوليه عن "حزب الله" كونه الحليف الاستراتيجي الأساسي، لم يأت من عدم. ففي حسابات انتخابات العام 2009، نواب التيار لم يكونوا ليفوزوا في دائرة المتن الجنوبي وغيرها من الدوائر من دون الصوت الشيعي وفق القانون الاكثري. لذا عضّوا على فوقيتهم المضطهدة ونغمة "الكمية والنوعية". لكن مع القانون النسبي، هم يعلمون ان وظيفة الصوت الشيعي تنحصر في تأمين الحاصل الانتخابي الذي يستفيد منه الفريقان. تالياً، لا غنى عنه رغم كل الخلافات. والخطاب يجب ان يكون على هذا القياس.
ومع حصر الصوت التفضيلي في القضاء (الدائرة الصغرى)، يمكن لسقف الكلام الطائفي ان يرتفع، ولكن بمعايير مدروسة ومتحفظة.
أكثر من ذلك، اعتبر عون ان قول وزير الخارجية جبران باسيل، "نحن عنصريون على رأس السطح"، يعني اننا لبنانيون وطنيون.
يمكن الجزم بأن الشعارات السائدة عشية يوم الاستحقاق الكبير في 6 أيار المقبل هي ذاتها لدى القائمين على المحاصصة، سواء لجهة مكافحة الفساد او الوعود بالمن والسلوى وجمهورية افلاطون، على أساس ان كل طرف من اهل السلطة يضم، وحده دون غيره، جميع القديسين الذين لا يمكن لخصم ان "يغبِّر" على أحذيتهم.
الاتهامات التي يوجهها كل طرف إلى الآخر بالفساد وسرقة المال العام وتعطيل عمل المؤسسات، تكاد تذهل الحقيقة الطالعة منها في كشف المستور، لكن علّتها انها مرتبطة بطائفة المتهم، ما يرتدّ عكسياً على مُطلقيها، ويجيش طائفة المتهم لدعمه في مواجهة الطائفة الأخرى عوضاً من استغلال الحقائق المعلنة في إطار السجالات للمساءلة والمحاسبة. فالعلاقة عضوية بين الفساد والطائفية. لذا لا بد من هذه العنصرية تجاه الآخر وتخويف الجماعات الحاملة هوية لبنانية من كل آخر لا ينتمي الى طائفة الجماعة المفترض ان تنطوي على نفسها وتسلّم زمام امورها وأصواتها التفضيلية الى زعيمها.
المصيبة ان أولاد الطوائف يخافون من الآخر ويشعرون بأنهم أصحاب الحق الذي يسلبهم إياه الآخر، ويغرقون أكثر فأكثر في مذهبيتهم وعنصريتهم، ويبدو انهم سينتخبون كالقطيع، والا لما راج خطاب الطائفية على حساب المواطنة.
ولا تفهمونا غلط، لكن جدياً: لوين واصلين؟!