إثر حدوث طلاقٍ أو انفصال لا عجبَ في أن يتحوّل الأطفال الصغار سلاحاً ثميناً لتصفية الحسابات بين أمٍ وأب متخاصمَين، إرضاءً لأنانيتهما. عدمُ تمتّعِهما بالوعي الكافي قد يدفع كلَّ طرف منهما إلى زرعِ كرهِ الطرف الآخر في نفس صغاره، فينمون على أفكار الحقدِ والضغينة وفي أجواء مسمَّمة لا ذنبَ لهم فيها، سوى أنّهم ولِدوا هنا في هذا الأتون المشتعل.
المشاهدة المخروقة
صحيح أنّ قوانين الحضانة التابعة لعددٍ من المحاكم الروحية تنصّ على أن تكون الحضانة مناصفةً بين الأم والأب في فترات العطلِ التي تتعدّى اليوم الواحد، على أن يكون الأولاد مع أحدِ والديهما خلال فترة المدرسة. هذا القانون يطبّقه الزوجان المنفصلان بالتراضي في العديد من الحالات. ولكنّ قرار المشاهدة والاصطحاب هذا قد يُخرَق فاتحاً الباب أمام إمكانية انتقام أحد الطرفين من الآخر واستعمال الأولاد لهذه الغاية.
فبعد وابلِ الصراعات بين هؤلاء الوالدين والذي أدّى بهما إلى الطلاق، ينتقل الصراع بعد الانفصال ليصبحَ على الأولاد، فيفرّغ كلّ واحدٍ من الأهل ما في جعبته من انتقام في حياة طفل بريء غيرِ قادر على الدفاع عن حقوقه، أو فرضِ رأيِه. والنتيجة ينمو هذا الطفل يتيمَ والد أو والدة على قيد الحياة، بينما يَخترع هذا الوالد/ة المسلوبُ حقَّ رؤيته طفلَه/ا شتّى الأساليب، ويدقّ مختلف الأبواب ليسرق بضع ساعات برفقة فلذات كبده.
وكم من قصةٍ سمعناها عن والدٍ حرَم زوجته السابقة من رؤية أطفالهما وخطفَهم منها، فكانت تذهب إلى المدرسة لرؤيتهم بضع دقائق خلسةً. وتلك أمّ حظيَت بحق حضانة أولادها، فزَرعت الأفكار السيّئة في رؤوسهم عن أبيهم وعائلته، ولا تدعه يراهم بذريعة أنّهم لا يريدون رؤيته.
آثار خطيرة
منعُ طفلٍ مِن رؤية أحد والديه يشكّل سلخاً قسرياً عن هذا الطرف ويسبّب أذى نفسيّاً للطفل، وخطراً على واقعه ومستقبله. الطفل الذي يخضع لغسيل الدماغ من أحد والديه، يصل يوماً إلى كرهِ هذا الطرف المنبوذ الذي أبعِد عنه، ويَشعر تجاهه بالحقد والرفض والخوف. ويكدّس هذا الطفل ألمَ ابتعادِه عن والده أو والدته في اللاوعي إلى حين ينفجر هذا الواقع مشكلاتٍ وألماً في شتّى مفاصل حياته اليومية والمستقبلية، فتخلق لديه مشكلات مزمنة يَصعب شفاؤه منها.
يُحتمل أن يعيش انطواءً على ذاته قد يَحمله إلى فشلٍ مدرسي. فهذا الطفل الصغير يَرمي على نفسه ذنبَ ما حصَل، ويعيش صراعاً نفسياً بعد تفكّكِ عائلته، يتوَّج بحرمانه من رؤية أحد عواميدها. خنقُ مشاعرِه يمنعه من بناء شخصيته بشكل متوازٍ، كما يَحرمه واقعُه من مرجعية متينة في حياته مؤلفةٍ من أمٍ وأب، فلا يبقى له سوى والدِه أو والدته الموجود/ة إلى جانبه. ويصبح أحد أبويه بالنسبة إليه غريباً.
غالبية هؤلاء الأطفال عندما يكبرون يعانون مشكلاتٍ نفسية، ومنها: اضطرابُ الشخصيّة الحدّي، أي اضطراب الشخصيّة غير المستقرّة عاطفياً، والهشاشةُ الدائمة، مع عدم القدرة على مواجهة المشكلات ومطبّاتِ الحياة، وميلٌ إلى العصبية، وحظوظٌ قليلة بالنجاح في بناء علاقةٍ عاطفية وعائلية ناجحة في المستقبل.
كما يَعرف هذا الطفل مشكلاتٍ في تصوير الواقع، فلا يثق برؤيته للأمور، ويفقد ثقته بنفسه، ويميل إلى اتّهام الآخرين بمشكلاته وأخطائه، حتّى إنه قد يُضيّع هويته الجنسية، ويَصعب عليه التعاطي والتأقلمُ مع المجتمع. قد يَسكنه الاكتئاب المزمن والخشيةُ من الناس، أو يعاني جنونَ العظمة، أو يُظهر في سلوكياته عدائيةً وعدمَ التنظيم وانحرافاً نحو المخدّرات والكحول، كما قد يحاول الانتحار يوماً ما.
من هنا، حفاظاً على حقّ كلّ من الوالدين بمتابعة وتربية أولاده، وحقِّ الأولاد بالتمتّع بوجود والديهم حتّى بعد الانفصال، يجب على الجهات المعنية، الروحية والمدنية، إعادةُ النظر في كيفية تنفيذ حكمِ الحراسة والمشاهدة والاصطحاب على أرض الواقع، والتأكّد من سلامة تنفيذه.