لعلها المرة الأولى في تاريخ الإنتخابات النيابية في لبنان أن تأتي هذه الإنتخابات اليوم بهذه الصورة وهذه المشهدية المزرية والتي فاقت بمشاهدها كلها كل الضوابط التي من المفترض أن تحكم هذه الإنتخابات وفق القانون الإنتخابي نفسه ووفق ما يضمنه الدستور اللبناني.
الإنتخابات في أي بلد ديمقراطي هي وسيلة لإعادة إنتاج السلطة بطاقات جديدة وروح جديدة قادرة على التغيير والتطوير نحو الأفضل وفق برامج وسياسات محددة يكون الهدف منها مصلحة البلاد والمواطن، ويجري التنافس على قاعدة اختيار الأفضل وفق البرامج والرؤى التي يحملها كل مرشح، أما في لبنان فاستطاعت التحضيرات الجارية للإنتخابات أن تقلب هذه الموازين كلها، فخرجت هذه الإنتخابات بمشاهد مروّعة وبشعة لا تلتزم بأي قيم أخلاقية وسياسية وبات تسوّل المقعد الإنتخابي لأي فريق أو حزب أو سياسي أمرا يستحق تجاوز كل القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، ناهيك عن الجولات الكوميدية لبعض المرشحين والخطابات التحريضية لآخرين الذين من المفترض أنهم مؤتمنون على سلامة المجتمع والعيش المشترك وحرية الرأي والتعبير.
إقرأ أيضًا: الخطاب الإنتخابي يكشف هشاشة الواقع اللبناني؟
يضجّ المشهد الإنتخابي في لبنان وعلى بُعد أيام من موعد الإستحقاق بمشاهد مقززة وخطيرة وعلى امتداد المناطق اللبنانية كافة لا يمكن وصفها إلا بالجنون الإنتخابي الذي ربما هو الوسيلة التي تتطلع إليها القوى والأحزاب لتحقيق مكاسبها في المجلس النيابي تحت أي وسيلة أو ذريعة حتى لو تجازوت كل المحظورات.
الوقائع كثيرة وكبيرة من بيروت إلى الشمال إلى البقاع والجنوب وما زالت مستمرة وكأن قدر هذه الإنتخابات أن تُظهر نفسها بأبشع صورة الحضارية والديمقراطية وكأن قدر معارضو السلطة وأحزاب الأمر الواقع أن يكونوا ضحايا هذا التفلت الإنساني والأخلاقي تحت عناوين الديمقراطية وبعض الشعارات المسروقة من أمجاد الماضي ومن دماء الشهداء.
إن ما تشهده الساحة اليوم من تجاوزات واعتداءات بحق بعض المرشحين وخصوصًا مرشحي الإعتراض الشيعي برسم ديمقراطية هذه الإنتخابات وتلك السلطة وأحزابها التي تتباهى بإنجازها قانونًا إنتخابيًا يضمن حرية الرأي وصحة التمثيل، فمنذ الإعتداء الأول على المرشح عن المقعد الشيعي في بعلبك الهرمل الشيخ عباس الجوهري في بعلبك وصولًا إلى الإعتداء الذي حصل يوم أمس على الصحافي والإعلامي علي الأمين في بلدته شقرا وهو مرشح في لائحة "شبعنا حكي" عن المقعد الشيعي في بنت جيبل تتوالى الإعتداءات بصيَغ وعناوين وذرائع مختلفة لقمع الرأي الآخر ولقمع حرية التعبير وقمع الرأي المعارض بالكلمة والموقف، وكأن اتهامات التخوين والعمالية لم تجد نفعا فيأتي أسلوب البلطجة الرخيص والجبان واللامسؤول ليكون الوسيلة الإرهابية الثانية التي يعتمدها هؤلاء لقمع المعارضين تحت ذريعة المقاومة وشعاراتها.
إقرأ أيضًا: بعلبك الهرمل ترفض التحريض ضد أبنائها المرشحين ... فليكن التنافس لأجل مصلحة المنطقة
إنه لمين المعيب أن تصل الأمور إلى هذا الحد من التفلت الأخلاقي والشرعي سيما وأن هؤلاء المعارضون سلاحهم كلمتهم وموقفهم ومنبرهم.
إن هذه الإعتداءات تسيء لـ (حزب الله) أكثر مما تسيء لأي معارض للحزب وهي تسيء أيضًا للمقاومة وشعارات المقاومة وتضحيات المقاومة من خلال استغلال المقاومة كوسيلة للإعتداء وقمع الرأي الآخر.
إن الحزب مطالب بوضع حد لهذا التهور الخطير وكما هو حريص على وحدة الطائفة الشيعية من خلال تحالفه الإستراتيجي مع حركة أمل، فيجب أن يكون حريصا أيضًا على ضبط أدائه وتصرفاته مع المعارضين الشيعة وهو من هذه البيئة التي كانت وما زالت جانب الطائفة ولا يهمها إلا تصويب الأداء وتتوجه بانتقادتها حيث يجب بعيدا عن خصومة سياسية تستدعي هذه الهمجية في التعامل.