لطالما كانت الكوابيس، على رغم سلبياتها وإزعاجها للإنسان، متنفّساً لتصريف جميع مخاوفه ومشاعره القلقة. والحلم السيّئ هو حلمٌ مخيف أو حلمٌ يهدّد استقرارَ الإنسان النفسي لفترة معيّنة لا يجب أن تتخطّى دقائق بعد إدراكه بأنه كان يحلم بكابوس. فكم مرة، إستيقظنا من كابوس، تحت وطأة الرعب، واحتجنا بعضَ الوقت لاستيعاب أنّ هذا حلمٌ مفزع لا صلة له بالحقيقة. هذه الوطأةُ صعبةٌ على الإنسان الراشد، ولكن ماذا عن الطفل الصغير الذي يستيقظ في منتصف الليل صارخاً وطالباً النجدة بعد حلمه بكابوس. فلماذا تحصل الكوابيس عند الأطفال؟ وكيف يمكن إبعادُ هذا الشبح المخيف عنهم؟
الكابوس كالعاصفة الهوجاء، لا يترك وراءَه إلّا المشاعر السلبية والخوف والرعب من أن يستعيد هذا «الكابوس» نشاطَه في الليلة التالية. ولكنّ للكابوس نقاطاً إيجابية أهمها أنه وسيلة من وسائل صرف القلق وتنفيس النزاع الداخلي الذي يشعر به كل إنسان ويُخزّنه في باطنه اللاواعي. فكل إنسان مهما كان عمره، طفلاً أو راشداً أو حتّى عجوزاً، ومهما علا شأنُه ومهما كان متصالحاً مع نفسه، يمكن أن يمرَّ بتجربة الحلم المزعج.
فخلال يومياته، «يدفن» كلّ شخص في عقله الباطني أموراً لم «تعجبه»، وأزعجته. تأخذ تلك الأمور حيّزاً في اللاوعي، ولا «تذوب» بل تتحوّل وتنفجر من خلال كابوس، لا يمكن تفاديه. وهذه الكوابيس يمكن أن تكون زائراً «يومياً» لأطفالنا.
الأحلام وعمر الطفل
أسباب الكوابيس عند الأطفال كثيرة وهي تثير مشاعر القلق والخوف والغضب والعدوان والحزن والإنغلاق الإجتماعي. وطبعاً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعمر الطفل.
في السنتين الأولى والثانية من عمره، تتكوّن في عقل الطفل الصغير صوراً للأشخاص المحيطين به، كأهله وإخوته وأخواته، كما يحفظ أصواتهم. لذا غالبية أحلامه ترتبط بهؤلاء الأشخاص.
في السنتين الثالثة والرابعة، يتغيّر الحلم، ويأخذ طابعاً آخر، حيث يستبدل الأشخاص (الأم والأب...) بصور الحيوانات، خصوصاً الأليفة منها. وتتضمّن الأحلام مشاهدَ من الحياة اليومية عن هذه الحيوانات، وهي تأكل، تشرب، أو تلعب مع بعضها...
في السنة السادسة من العمر، يظهر التفكير المنطقي عند الطفل، وتختلف أحلامه أيضاً لتصبح مكوَّنةً من أحداث بسيطة عاشها أو يعيشها في حياته اليومية. وعادةً تأخذ هذه الأحلام طابعَ النشاط والحركة والمنافسة.
عند بلوغ الطفل عمر الثامنة، تصبح أحلامُه منظّمةً من حيث المكان والزمان. تنقل رسائل مباشرة وغير مباشرة عن حياته اليومية، كما تترجم القلق الذي يعاني منه.
في عمر التاسعة حتّى الحادية عشرة، أحلام الأطفال تكون متماسِكة مع أو بدون قصة، ولها معانٍ نفسيّة وتختلف ما بين الجنسين وبحسب اهتماماتهما.
وعند بلوغ سنّ المراهقة، تصبح أحلام المراهق منضبطة أو غير منضبطة حسب تقسيمه النفسي وتكوين شخصيته. وطبعاً نجد نوعاً من التوازن ما بين الأفعال والردود في الحلم.
الحلمُ المزعج عند الطفل
يحلم كلّ طفل أحلاماً جميلة أو أحلاماً مزعجة، وهذا طبيعيٌّ كردّة فعل تجاه المخاوف والأحداث التي يصادفها خلال يومياته، وخصوصاً في مرحلة النموّ. لكن يختلف وضعُ الطفل كل الإختلاف عن الراشد، بعد الإستيقاظ من الحلم. فالطفل بحاجة لوقت أطول ليميّزَ ما بين الواقع والحلم أي ما بين الخيالي والواقعي. وبعد تقدّمه في العمر ودخوله مرحلة المراهقة يصبح أكثرَ استعداداً للتمييز ما بين النوم واليقظة، وما بين الحلم والحقيقة.
بالنسبة له كل الأحداث التي ترِد في الحلم هي حقيقية وواقعية ولها علاقة مباشرة بحياته العائلية والخاصة. فإذا حلم الطفل بكابوس وتضمّن هذا الحلم المزعج موتَ والديه، سيستيقظ منه باكياً ومعتبراً بأنّ والديه قد ماتا.
من أين تأتي كوابيس الأطفال الصغار؟
إنّ الصراعات التي يعيشها الطفل خلال يومياته تسبّب له الأحلام المزعجة بشكل مباشر، ومن هذه الصراعات:
مشكلات عائلية: ما بين الأم والأب أو الإخوة، عدوانية جسدية ولفظية، إعتداءات لفظية وصولاً إلى التحرّش الجنسي.
ولادة طفل في العائلة بدون تحضير الطفل بشكل سليم.
حادث سيارة أو دخول أحد الوالدين أو الإخوة أو الأخوات أو أحد الأقارب المحبّبين على قلب الطفل مثل الجد أو الجدة، إلى مستشفى.
مرض أو موت أو غياب أحد الأهل بشكل سريع حيث لم يكن الطفل مستعداً لهذا الغياب.
حوادث ومشكلات في العالم الخارجي، ومنها المشكلات مع الأصدقاء في المدرسة أو في الحيّ، كالتنمّر، والعدوانية ما بين التلامذة...
كما يمكن أن تؤثر الاضطرابات الفزيولوجية والأمراض الجسدية تأثيراً مباشراً على الطفل وبالتالي يحلم كابوس.
وبعيداً عن المشكلات هناك منبّهات خارجية، تحفّز الكوابيس عند الأطفال، فالظلام، والظلال في غرفة معتمة، والمناظر المفزعة وغير الملائمة التي يشاهدها الأطفال على التلفزيون أو في الألعاب الإلكترونية... والقصص المفزعة ما قبل النوم والأصوات القوية يمكن أن تكون سبباً من أسباب استيقاظ الطفل من نومه خلال الليل طالباً أمه أو أبيه للتخلص من الكابوس. فهذا الطفل يحمل في ذهنه أفكاراً ومشاهد جعلته فريسةً سهلةً لكابوس ليلي.
دور الأهل في التصدّي لكوابيس أطفالهم
يمكن للأهل مساعدة أطفالهم على صدّ الكوابيس الليلية من خلال النقاط التالية:
تناول الطفل وجبات خفيفة قبل النوم وابتعاده عن الوجبات الدسمة التي تكثر فيها السعرات الحرارية.
وضع ضوء خافت في غرفة الطفل، ما يخفّف من قلقه.
لعبة الطفل المفضّلة، تساعده على الشعور بالحماية وبالتالي تخفّف من خوفه من النوم والكوابيس.
يجب أن يطمئنّ الطفل ويسترخي، لذا على الأهالي تهيئة جوّ هادئ قبل حلول موعد نوم أطفالهم.
غناء أغنية للأطفال، سماع موسيقى هادئة، سرد قصة جميلة... كل ذلك يعزّز طمأنينة وراحة الطفل.
تطمين الطفل بأنّ غرفة الأهل بقرب غرفته، فإذا احتاج لأيِّ شيء يمكن أن ينادي أمه أو أباه، ولكن لا يجب أن يسمح الأهل للطفل بالنوم في غرفتهما إلّا في بعض الأحيان، ومن الأفضل عدم الرضوخ لهذا الطلب.
الاعتراف للطفل بأنّ الكابوسَ سيّئٌ، وتطمينه بأنّه مجرّدُ حلم وليس حقيقة. فالطفل بحاجة لدعم نفسي، كما على الأهل عدم تحليل الكابوس.
وإذا كانت الكوابيس تتكرّر كل يوم أو من فترة لأخرى، وتسبّب الهلع والخوف للطفل، ولم يستطع الأهل مساعدته، يجب طلب المساعدة من الاختصاصي النفسي.
(د. أنطوان الشرتوني)