تفترض مهمة «حزب الله» المتمثلة بالقتال على جبهات كثيرة فتوة من المتوقع أن تكشفها صور الحزب ومشاهده التي يلتقطها لنفسه ولقادته ولمقاتليه ولقادته، لكن صور مرشحي الحزب للانتخابات النيابية اللبنانية لا تعكس هذا التصور عن الحزب، ذاك أن مرشحي الحزب، وهم مقدّموه وكوادره، شاخوا، وغزا الشيب شعرهم، ورسمت السمنة على وجوههم ملامح أخرى لا تشبه ما يفترضه المرء في جسم الحزب من فتوة وشباب.
هذه المفارقة البصرية ترخي اليوم بثقلها على دور الحزب وعلى مهامه في وعي الناخب اللبناني. فالحزب صار حزبين، واحداً يقاتل على الجبهات غير المنظورة وغير المكشوفة للناخب اللبناني، وآخر صُوَرهُ منتشرة في الشوارع والساحات. الثاني أكثر خشبية من الأول وسُحبت منه الجاذبية التي يمكن أن تُمثلها مهمة القتال والشعارات التي تنطوي على «نخوة ومروءة» وعلى دفع للأخطار، على نحو ما دأب الحزب يُقدم نفسه طوال سنوات اشتغاله في الحروب.
مرشحو «حزب الله»، كما يظهرون في صورهم الانتخابية، قليلو الجاذبية. في وجوههم قدر من أهلية ومن دروشة لا تنسجم فعلاً مع صورة الحزب بصفته حزب فتوة وقتال. لا يصلحون لأن يكونوا حلقة وسيطة بين قائد الحزب وبين قواعده. هذه ليست مهمتهم، وهم، إذ تم اختيارهم لتمثيل الحزب في البرلمان، جرى بموازاة هذا الاختيار سحب ما تبقى من جاذبية في ملامحهم. فالمهمة في البرلمان تقتضي أن يكون أحدهم مثلاً قد قال ذات يومٍ أنه قَبل حذاء الأمين العام. صاحب هذا القول لا يطمح طبعاً لأن يخاطب ناخبيه بكاريزماه. والمرشح الآخر عن دائرة جبيل حرص الحزب على التعريف به بصفته «شيخاً»، وهو إذ يفتقد لشرعية أهلية في القضاء الذي ترشح فيه لكونه من منطقة أخرى، ويفتقد أيضاً ملامح تشعرك بكاريزما ما لصاحب الصورة، أبقى الحزب عبر ترشيحه له على صورة النائب الموظف والأمين على مهمة كلفه بها القائد.
نادرون هم نواب «حزب الله» ممن لا تعوزهم كاريزما الأمين العام لكي تكتمل فيهم ملامح القيادة. والملاحظ أن من تتوافر بهم هذه الشروط يشرعون بالتخلي عنها شيئاً فشيئاً ما إن يصيروا نواباً. الأرجح أن لإسلاميتهم دوراً في انتزاع الكاريزما من وجوههم، فهي تقصرها على مكلفٍ واحد. والحزب لا يُقدم مرشحيه بصورهم ولا يعطي بالاً لملامحهم. لا سيرة خاصة لأي منهم. السيرة هي سيرة الحزب ووجه المرشح، الذي تغيب الابتسامة عنه في الصورة، ليس وجهه بل استعاضة عن الوجه وعن وظيفة الوجه بالمهمة التي يحملها صاحبه. فبينما تطغى حزبية مرشح مقعد جبيل الشيعي على سيرته، يُصارح الأمين العام للحزب حسن نصرالله الناخبين في البقاع أنهم سيقترعون للحزب لا لمرشحيه، وأن هؤلاء ليسوا أكثر من ممثلين في البرلمان لـ «مقاتلين خلف الحدود يمنعون داعش من غزو البقاع».
وبين صورة الحزب الهرِم التي يعكسها مرشحوه إلى الانتخابات النيابية وصورة الحزب الفتي التي يفترضها قتال الحزب المتواصل على معظم جبهات هذا الشرق، يبقى أننا أمام الظاهرة الشعبوية نفسها، فالحزب لا يشتغل على غير صورة أمينه العام. لا بطل غيره، ولا كاريزما إلا كاريزماه.
قد لا يصح ذلك على صور القادة العسكريين للحزب، إلا أن هؤلاء لا تظهر كاريزماهم إلا بعد أن يُقتلوا. عماد مغنية مثلاً لم يكن كوجه وكجسم وكصوت في صلب صورة الحزب إلا بعد مقتله. الأمر نفسه يصح على مصطفى بدر الدين. قد تكون مهمتهما هي ما أملى هذه الحقيقة، لكن ذلك لا ينفي أن في الحزب صورة واحدة لا صورة تنافسها ولا أحد يتجرأ على كشف طموح لمنافستها. وهي على كل حال صورة مشغولة وتكشف بأن الحزب يعي ماذا يفعل وماذا يُقدم، وأن محو ملامح النواب وإذابة الفروق بين وجوههم هو جزء من عملية اشتغال على صورة الرجل الواحد والقائد الواحد.