لا يختلف إثنان في لبنان أن الأمور بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ليست على ما يُرام إطلاقا .
فالمستوى المنحدر الذي وصلت إليه هذه العلاقة تطرح العديد من علامات الإستفهام حول مستقبل الروابط السياسية بين أبرز قطبي " ١٤ آذار " ، والتي لطالما كانت قدوة في العلاقات السياسية في البلد بسبب ثباتها وإستمرارها طوال هذه السنين .
لكن اليوم هذه الروابط مهدّدة بجدية بعد أن أشعلت الإنتخابات النيابية المقرر عقدها في ٦ أيار ٢٠١٨ نار الخلافات بينهما.
ولا تبدأ هذه الخلافات من الإستحقاق الإنتخابي فقط ، بل هي قديمة منذ قرار جنبلاط إعادة تموضعه السياسي ليكون في مركز الوسط ويخرج من " ١٤ آذار " بعد أحداث ٧ أيار ٢٠٠٨.
عندها بدأت الخلافات تتراكم بين الصديقين ، وكان أبرز محطة خلافية بينهما يوم وافق جنبلاط على التصويت لصالح الرئيس نجيب ميقاتي كمرشح لرئاسة الحكومة بعد إقالة حكومة الحريري الأولى.
وعلى الرغم من أن جنبلاط حينها قال أن المسدس كان موجها نحو رأسه لكي يُقدم على هذا الخيار ، ظل الحريري مُتمسكا برأيه بأن جنبلاط طعنه في الظهر.
بعد عودة الحريري من منفاه الإرادي في الخارج حاملا معه تسوية رئاسية بدأها بترشيح النائب سليمان فرنجية ، تجاوب معها جنبلاط بكل إيجابية ودعم خيار الحريري ، لكن بعد ترشيح الرئيس ميشال عون ، شعر جنبلاط ومن خلفه الرئيس نبيه بري بأن شيئا ما يُحاك في السرّ.
إقرأ أيضا : الحريري - جنبلاط: لم يعد للصُلح مطرح!
رغم ذلك ، وعلى عكس قرار بري رفض التصويت لعون وفي ظل هواجس جنبلاط من إتفاق الأستاذ نادر الحريري والوزير جبران باسيل ، قرّر جنبلاط المضي في خيار التسوية والتصويت لصالح عون كرئيس للجمهورية .
وبين إنتخاب عون والإنتخابات النيابية الحالية ، حصلت العديد من الخضّات كالسجال الذي حصل بين جنبلاط والوزير نهاد المشنوق ، لكن فيما بعد حصل اللقاء الثلاثي في كليمنصو الذي جمع جنبلاط بكل من بري والحريري وعادت الأمور لتستقيم.
ومع إستحقاق إستقالة الحريري الغامضة في السعودية ، كان جنبلاط وفيا لصديقه وتضامن معه ولم يُقَصِّر في واجبه في هذا المجال .
بعدها بأسابيع ، بدأ جنبلاط يُطلق النار على المملكة العربية السعودية ، وتعقدت العلاقة بين الطرفين ، قبل أن تحصل الصلحة عند تدشين جادة الملك سلمان بن عبد العزيز في بيروت واللقاء الخماسي الذي حصل حينها.
خلال فترة ما بعد التسوية الرئاسية ، كان جنبلاط يشعر بمحاولات لحصاره من قبل فريقي العهد والتيار الوطني الحر داخل الحكومة ، وما كان يُقلقه هو صمت بل في بعض الأحيان تجاوب الحريري مع هذه المحاولات ، كما كان يحصل مع الوزير مروان حمادة في ملف وزارة التربية عبر تأجيل البحث في بنود متعلقة بها وتجميد بعضها وأخذ قرارات في بعضها الآخر دون الأخذ برأي حمادة ، وهذا ما جعله يُقاطع العديد من جلسات الحكومة.
يُضاف إلى هذه الملفات ، كيف تم التعامل مع موضوع قانون الإنتخابات الجديد ومجلس الشيوخ ، والمحاولات من قبل التيار البرتقالي لمحاصرة جنبلاط في عرينه عبر فصل دائرتي الشوف وعاليه ، قبل أن تستقر الأمور على جمعهما في دائرة واحدة .
كل هذه الإستحقاقات ، كانت توحي بأن العلاقة بين جنبلاط والحريري قابلة للإنفجار في أي لحظة ، وهذه اللحظة جاءت في الإستحقاق الإنتخابي .
فبالرغم أن التحالف بين جنبلاط والحريري هو واحد في معظم الدوائر الإنتخابية بإستثناء الجنوب الثالثة ، إلا أن الحريري يُعامل جنبلاط كأنه عبء عليه .
ويشعر جنبلاط بذلك ، بل يشعر أيضا أن الحريري بصمته عن تصرفات باسيل ، هو يحاول بطريقة غير مباشرة أن يعزله سياسيا .
ولم يهضم جنبلاط حتى الآن ما حصل في دائرة البقاع الغربي - راشيا عندما رفض الحريري إعطائه مرشحين ( ٢ ) على اللائحة ، بل ذهب الحريري أبعد عندما رشّح المرشح الأرثوذكسي غسان سكاف قبل لحظات من إقفال اللائحة على حساب مرشح جنبلاط أنطوان سعد.
وما حصل في البقاع الغربي كان سيُعتبر إستثناءا لو إكتفى الحريري به ، لكنه إستمر بإستفزاز جنبلاط عبر الزيارة التي قام بها إلى دائرة الجنوب الثالثة دون تنسيق مُسبق مع التقدمي الإشتراكي والذي يتحالف فيها الحريري مع النائب طلال أرسلان والتيار الوطني الحر عبر لائحة " الجنوب يستحق ".
وكان واضحا حجم المقاطعة الشعبية الدرزية لزيارة الحريري التي تعكس غضب جنبلاط مما قام به.
إقرأ أيضا : تيار المستقبل تحول من حالة سياسية إلى حزب موغل في البراغماتية
أعاد الحريري الكرّة في إقليم الخروب ، ورفض أن يكون لتيمور جنبلاط أي كلمة بحسب مصادر ، فشنّ جنبلاط هجوما هو الأقسى من نوعه على الحريري قائلا :" لن نقبل أن نكون مُلحقين بتيار المستقبل " وقاطع أيضا الزيارة.
وسيتكرر نفس الأمر في زيارة الحريري إلى البقاع الغربي ، حيث سيُقاطعها جنبلاط.
بالمقابل ، يحاول الحريري التخفيف من وطأة المشكل رغم " الزكزكات " كما قال ، لكن جنبلاط غير مقتنع بما يقوله رئيس الحكومة.
وإذ يرى البعض أن ما يُوحي إليه جنبلاط هو فقط من أجل إشعار الدروز بأنه محاصر ومظلوم وبالتالي شدّ عصبهم الإنتخابي ، يرى آخرون أن مشكلة سيد قصر المختارة الأساسية مع سيد بيت الوسط هو سكوت الأخير عن محاولات جبران باسيل عزله وحصاره سياسيا في الشوف - عاليه عبر تحالف التيار مع أرسلان ، ما يُوحي برضى لدى الحريري بما يجري ، خصوصا أن العلاقة بين الحريري وأرسلان في أفضل أيامها وتتطور باستمرار ، ويخشى جنبلاط أن يكون هذا التطور على حساب علاقته التاريخية مع الحريري، فيصبح أرسلان بديلا جاهزا عنه في أي لحظة إذا إستطاع ترؤس لائحة دون منّة من جنبلاط ، ويفقد تميّزه بكونه الزعيم الدرزي الأقوى والأوحد ، ويخسر بالتالي العديد من هوامش تحركاته وعلاقته السياسية في الداخل.
لذلك ، تبدو الأمور ضبابية بين الطرفين وهي متجهة ربما للأسوأ بعد إنتهاء الإنتخابات ، وحينها ستحتاج للعديد من الخرزات الزرق لإعادة تحصينها.