إستُبدِل في السنوات الأخيرة مصطلحُ زراعة نقي العظم بمصطلح زراعة الخلايا الجذعية، التي تُعتبر خلايا ذات مقدرة على التكاثر والتحوّل وإنتاج جهاز دموي جديد في جسم المريض الذي تتمّ عمليةُ الزرع فيه.
في هذا السياق، حاورت «الجمهورية» الاختصاصي في علم المناعة، والباحث في مركز الأبحاث التابع للمركز العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية الدكتور حسان سعيّد، الذي أشار إلى أنّه «توجد مصادر إضافية للخلايا الجذعية غير نقي العظم كالدم ذاته ودم الحبل السٍّري. وفي وقت يفشل علاج عدد من الحالات المرضية عند الاطفال، تأتي الخلايا الجذعية لتكون الحلَّ الفعّال».
علاجات لأمراض خطيرة
تتعدد الأمراض المستعصية التي تلعب الخلايا الجذعية دوراً مهماً في معالجتها. ويعدد د. سعيّد أبرزها قائلاً:
• زراعة خلايا جذعية ذاتية لعلاج السرطان: المقصود هنا الأورام التي تصيب الأعضاء الصلبة كأنواع معيّنة من أورام الدماغ، الورم الأرومي العصبي، وأنواع عدّة من الأمراض الليمفوية. غالباً، من غير المرجح الوصول إلى شفاء تام من هذه الأمراض الخطيرة عند استعمال العلاج الكيماوي أو الشعاعي فقط. ولكن ساهمت العلاجات الأوّلية في تقليل حجم الورم بشكل ملحوظ. في المقابل، يمكن إجراءُ العلاج الكيماوي بجرعات مرتفعة والتي يمكنها تدمير الورم حتى الخلية الأخيرة، إلّا أنها وبسبب سمِّيتها قد تؤدي إلى أضرار دائمة لخلايا النقي لدى المريض وهي الخلايا الأكثر حساسية في الجسم. لذا يتمّ جمع كمية وافرة من هذه الخلايا في مرحلة سابقة لإجراء العلاجات الكيماوية ويتمّ الاحتفاظُ بها في التجميد ومن ثم إعادة زرعها في جسم المريض بعد إتمام مراحل العلاج الكيماوي بما فيها العلاج ذات الجرعات المرتفعة.
• زراعة خلايا جذعية خِيْفيّة (allogeneic stem cell transplantation) لعلاج الأورام: يتمّ اللجوءُ لهذه العمليات في عدد من الأمراض مثل مرض إبيضاض الدم الليمفاوي الحاد (AcuteLymphoid leukaemia)، بدرجة خطورة بالغة أو تلك التي لا تتجاوب مع العلاجات الأوّلية المضادة لإبيضاض الدم، عودة مبكرة لمرض إبيضاض الليمفاوي الحاد، مرض إبيضاض الدم النقوي الحاد بدرجة الخطورة الشديدة، خلل التشنّج النخاعي النَّقي (Myelodysplasia)، مرض إبيضاض النخاع المزمن والإبيضاض الوحيدي النقوي المزمن الخاص بسنّ الطفولة (ChronicMelomonocytic Leukaemia).
زرع الخلايا من متبرّع
في المقابل، لا تُستخدم الخلايا الجذعية لعلاج الامراض السرطانية فحسب بل هي فعّالة في عدد من الأمراض الأخرى. ويضيف د. سعيد: «يفيد زرع الخلايا الجذعية الخيفية (من متبرّع) في علاج أمراض نقص النقي. والمقصود هنا فقر الدم اللاتسنُّجي (aplastic anemia) المكتسب والأمراض الوراثية التي تتميّز بنقص أو خلل في الخلايا التي يتمّ إنتاجُها عادةً في نقي العظم السليم مثل خلايا الجهاز المناعي في داء العَوَز المناعي المولود، أو نقص في مركبات الجهاز الدموي كما هو الحال في أمراض التلاسيميا، فقر الدم أو الأنيميا المنجلية، فقر الدم الفانكوني، إضطرابات في نشاط خلايا الدم البيضاء أو أمراض الإختزان. وتجدر الاشارة الى أنه عند وجود حاجة للقيام بزرع خيفي وعدم توفّر متبرّع ملائم بشكل كامل من بين أفراد عائلة المريض، يتمّ البحث عن متبرّع بديل، الذي قد يكون من أفراد العائلة كأحد الوالدين أو من إخوة المريض الذين لديهم تناسب جزئي من حيث الجهاز التصنيفي لأنسجة المريض».
التناسب والرفض
تتعدّد العلاجات التحضيرية للزرع، بهدف تهيئة مكان في نقي العظم لدى المريض ليتمّ استيعاب الخلايا الجديدة فيه، تدمير خلايا الورم المتبقية وتثبيط الجهاز المناعي لدى المستقبل حتى يتسنّى لجسد المريض تقبّل الخلايا الغريبة. ويوضح د. سعيّد أنّ «أحد أهم العوامل التي تحدّد نجاحَ عملية الزرع، هو مدى التناسب في منظومة تصنيف الأنسجة التي تميّز كلّاً منا. فقد يؤدّي نقصُ التناسب إلى رفض الجسم المستقبل للطُعْم أو لقيام خلايا اللمفيّة، بمهاجمة أعضاء مختلفة من جسم المستقبل والمعروف بداء الطَّعْم حيال الثَّوي».
تتوفّر اليوم في بنوك الدم العالمية لدم الحبل السرّي عشرات الآلاف من وجبات الدم، وقد تمّ إجراءُ 2500 عملية زرع من هذا النوع حتى اليوم. وذلك لكونه ساذجاً من الناحية المناعية، فيمكن القيام بعملية زرع حتى عند عدم وجود تناسب تام دون ارتفاع ملحوظ في التعقيدات التي تتّبع عملية الزرع. وشدّد د. سعيّد في نهاية حديثه أنه «رغم ما ذكرناه آنفاً عن إيجابيات المتبرّعين البدلاء، فإنّ الزراعات التي تستند إلى هذا المصدر ما زالت لليوم مصحوبة بنسبة مرتفعة من حالات المرض والوفاة، وتستوجب المزيد من الدراسة واكتساب الكثير من المهارات المهنيّة لمركز الزرع. لذلك، ما زال الخيار الأفضل هو الحصول على خلايا جذعية مصدرها الأخ أو الأخت المناسبان من حيث تصنيف الأنسجة».