تتأرجح صيغة تعاطي المجتمع الدولي مع لبنان. تارة يكون التوجه متشدداً وطوراً يكون تهدوياً واستيعابياً للظروف السياسية التي تحكم البلد. الأمر نفسه ينطبق على التعاطي مع حزب الله، بين تشديد العقوبات والإجراءات بحقه والضغط عليه، وبين الكلام الفرنسي في بعض الكواليس عن التعاون مع الحزب لتكريس الاستقرار في لبنان والمنطقة، والفصل بين شقيه السياسي والعسكري، وابتداع نظرة جديدة تتعلق بفصل حزب الله في لبنان عن قواته العسكرية الموجودة في سوريا. وسط هذا التخبط، لا يزال الثابت هو الحفاظ على استقرار لبنان، وتعزيز مؤسساته الأمنية والعسكرية، ومساعدته في مؤتمرات الدعم الدولية.
بعد نجاح مؤتمر سيدر1، فإن مندرجاته بدأت الظهور تباعاً على الساحة اللبنانية، إذ سيشارك لبنان الأسبوع المقبل في اجتماع دولي لمكافحة تمويل الإرهاب. وهذا المؤتمر سيعقد في باريس وسيحضره الوزيران نهاد المشنوق وسليم جريصاتي. وتشير مصادر متابعة إلى أن المؤتمر في شقه اللبناني سيكون مركزاً على وجوب تجفيف المنابع المالية لحزب الله، وسيؤكد لبنان في المؤتمر التزامه بكل المقررات الدولية لجهة مكافحة تمويل الإرهاب، وسيثبت التزامه بكل التشريعات الصادرة. وتؤكد المصادر أن الإجراءات التي سيستمر لبنان بتطبيقها ستكون خاضعة لرقابة أوسع وفق مندرجات مؤتمر سيدر1.
هذا الحراك الدولي يستكمل بجولة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزيف فوتيل، الذي التقى مختلف المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ميشال عون. ووفق المعلومات، فإن النقاش تركز على الوضع في الجنوب، وعدم فتح أي ثغرة لحصول تطورات تؤدي إلى تفجير الأوضاع في ظل التوتر الإيراني الغربي. وقد تناول البحث مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية. وتكشف مصادر غربية لـ"المدن" عن أن الأميركيين سيعملون على وضع هذه المنطقة تحت رقابة دولية، والتقسيمات فيها ستكون خاضعة للتحكيم الدولي بعد الانتخابات. فلجنة التحكيم هي من سيبّت في كيفية ترسيم الحدود وتوزيع بلوكات النفط.
لذلك، فإن فوتيل ركّز على دور الجيش اللبناني وتعزيزه في تلك المنطقة بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية، وذلك لسحب أي ذريعة من حزب الله مستقبلاً للادعاء بأنه يحمي النفط وحاجة سلاحه في جنوب الليطاني ضرورة لحماية الحدود والبلوكات. وهذا الكلام يعيد الاستراتيجية الدفاعية إلى الأضواء، إذ تكشف المصادر عن أن المسؤولين الأميركيين يشددون على وجوب وضع سلاح حزب الله على طاولة البحث، وعدم التسليم بوجوده. ولكن هذا البند يشكّل عامل انقسام في المواقف الدولية، فواشنطن متشددة جداً في هذا الأمر، فيما الأوروبيون لا يجدون جدوى من تصعيد المواقف، والإخلال بالتوازنات السياسية القائمة، لأن إعادة البحث في سلاح حزب الله ستؤدي إلى توتير الوضع السياسي وربما الأمني في لبنان. وهذا أمر غير مرغوب أوروبياً. ويعمل الفرنسيون، بحسب المعلومات، لإيجاد لغة إيرانية هادئة لإبعاد لبنان عن أي تصعيد أو توتير، مع الحفاظ على مبدأ النأي بالنفس.
إلا أن الخطوة الأميركية تأتي في سياق تصعيدي، وقد أرفدت بتقديم عضوين من الكونغرس يمثلان الحزبين الديمقراطي، السيناتور توم سيوزي، والجمهوري، ادم كينزينغر، بمشروع قانون جديد يدعى "قانون نزع سلاح حزب الله". ويعتبر مشروع القانون أن حزب الله يشكل خطراً جسيماً وحاضراً على الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها من خلال تدخله المسلح في صراعات عدة، أبرزها اليمن والعراق وسوريا.
ويتضمن المشروع وضع تقرير استخباراتي في موعد لا يتجاوز 90 يوماً بعد سن هذا القانون، لتحري كامل ترسانة حزب الله الصاروخية. وتقييم قدراته التكتيكية، ووصف تفصيلي لمسارات الإمداد المستخدمة في الشراء غير المشروع للأسلحة، وتحديد تأثير تدخل حزب الله في الصراعات من خلال منطقة الشرق الأوسط. هذه النقاط لا تنفصل عن التلاقي العربي الأميركي بشأن ضرورة سحب سلاح حزب الله، وتحجيم نفوذ إيران في المنطقة. وبما أن القانون ينص على دور حزب الله في المنطقة، ولا سيما في سوريا، فلا بد من ربطه مع التطورات الحاصلة هناك، والرغبة الأميركية في تشكيل قوات عربية للسيطرة على شرق سوريا، وتحديداً على الحدود العراقية السورية، لقطع خطوط إمداد حزب الله. ما يعني وضع المنطقة في فوهة حرب جديدة.