وجه جديد من أوجه التباعد بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط يطلّ في الشوف هذه المرّة. تتراكم التناقضات والحسابات المختلفة بين الطرفين. من مشكلة عدم ترشيح النائب أنطوان سعد في البقاع الغربي، بسبب خروج الحريري عن الاتفاق الذي أبرم مع جنبلاط، إلى الرسائل التي أطلقها النائب وائل أبو فاعور خلال احتفال إعلان اللائحة التحالفية مع المستقبل في تلك المنطقة. ومن رسائل أبو فاعور تجاه الحريري، الذي لم يكن مرتاحاً لسقف خطاب أبو فاعور ولا لتوجهه السياسي، إلى الخلاف في شأن زيارة الحريري إلى حاصبيا من دون تنسيق مع جنبلاط، وباتفاق مع النائب طلال ارسلان، ما اعتبره جنبلاط استهدافاً مباشراً له. كلها عناوين لا مفر منها.
اليوم، يحلّ الإشكال أو التباعد في الشوف. صحيح أن الفريقين يخوضان الانتخابات على لوائح مشتركة، لكن حتى ضمن هذه اللوائح المشاكل مفتوحة والثغرات متاحة. وهناك اتهامات جنبلاطية عدة للحريري، بأنه يعمل، كما في الشوف كذلك في البقاع الغربي، لتعزيز فرص نجاح مرشحين للتيار الوطني الحر. في البقاع الغربي، يبدأ الامتعاض الجنبلاطي من الناحية المبدئية، التي تنقسم إلى قسمين، قسم سياسي وآخر أخلاقي، فلا طريقة استبعاد سعد اعتبرت أخلاقية، ولا حتى في الموقف السياسي تنسجم مع التحالف بين الاشتراكي والمستقبل.
يوم أقيلت حكومة الحريري، واتخذ جنبلاط موقفه إلى جانب ميقاتي في الاستشارات النيابية، كان أنطوان سعد أحد النواب الذين انشقوا عن كتلة اللقاء الديمقراطي وذهب إلى تسمية الحريري بخلاف جنبلاط. وهنا المشكل الأساسي، بحسب أوساط متابعة. فجنبلاط كان يحرص على الوفاء لأنطوان سعد وحفظ موقعه ومكانته، فيما لم يحفظ الحريري هذا الموقف، وكانت حساباته في مكان آخر. في الإنعكاس السياسي لهذه الخطوة، ثمة من يتخوف من مساعٍ لدى الحريري لإنجاح مرشح التيار الوطني الحر ايلي الفرزلي. ويكمن الاستغراب في أن الفرزلي الذي سارع الوزير جبران باسيل إلى تبنّي ترشيحه، هو أحد أبرز رموز العلاقة مع النظام السوري. والخوف الآخر في تلك المنطقة يتعلّق بأبو فاعور، إذ يتلمّس الاشتراكيون حملات مركّزة لاستهدافه، فيما الحريري لا يفعل ما يلزم لتشكيل خطّ دفاع أول عن أعضاء هذه اللائحة. ويختصر اهتمامه على المرشحين الذين يريدهم.
يوم الأحد المقبل، سيتوجه الحريري إلى البقاع الغربي، في جولة انتخابية، وستكون الأنظار شاخصة لمعرفة إذا ما كان سيناريو زيارة حاصبيا والشوف سيتكرر أم لا. في الأسباب التخفيفية عن الحريري، قد يذهب البعض ليعتبر أنه لم ينسق مع الاشتراكي في زيارة حاصبيا، لأنه غير متحالف معه هناك، وهو متحالف مع ارسلان، لكن زيارة الشوف من دون تنسيق غير مبررة، وهي تقود إلى هواجس أخرى لدى جنبلاط. فربما الحريري أو بعض المقربين منه يسعون إلى فصل إقليم الخروب عن الشوف مستقبلاً. ما سيكون مقدّمة لتقسيم الشوف، أو جبل لبنان. رسائل عديدة أوصلها الحريري من الإقليم واصفاً إياه بأن أصبح رقماً أساسياً في المعادلة السياسية في جبل لبنان. وهذه رسالة يجب أن تقرأ بعناية.
يتساءل الاشتراكيون عن السبب الذي دفع الحريري إلى الإعداد لزيارة الشوف من دون تنسيق معهم. ما دفعهم إلى الانكفاء عن المشاركة في هذا النهار، ومقاطعة جولة الحريري. ولا شك أن ذلك سينعكس بشكل أو بآخر في عملية التصويت. المشكلة الأساس بين الطرفين في الشوف، بدأت مع إصرار الحريري على عدم تمثيل برجا، وعلى ترشيح الوزير غطاس خوري. فاعتبر جنبلاط أن في هاتين الخطوتين إضعافاً للائحة، ما سيعرضها لخسارات، خصوصاً في ساحل الشوف، عبر المقعد الماروني. وتتمدد الخشية إلى المقعد الكاثوليكي، إذ إن جنبلاط يخشى خسارة النائب نعمة طعمة، بسبب حسابات الحريري وعناده.
التحالف يقتضي الشراكة، والشراكة يجب أن تكون متكاملة، لكن ما يحصل لا يوحي بأن الشراكة قائمة أو قادرة على الاستمرار. يعتبر الاشتراكيون أن سلوكيات المستقبل أحادية ولا تتلاءم مع العلاقة التاريخية بين الطرفين. يقف التحالف أمام مفترق مفصلي. صحيح أن التحالف الانتخابي لا يزال قائماً، لكن مرحلة ما بعد الانتخابات ستشهد خلط أوراق، قد تطال التحالفات. ويمكن أن يُقرأ ذلك من زيارة تيمور جنبلاط إلى المصيلح، وتأكيده استمرار العلاقة مع الرئيس نبيه بري.
قد يكون الحريري مقتنعاً في تعاطيه الواقعي. هو لا يريد أن يحصر تحالفه مع الدروز بجنبلاط، ويريد الموازنة بين علاقته مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وهو يريد من خلال ذلك ضمان مروحة أوسع من المؤيدين له للعودة إلى رئاسة الحكومة، على قاعدة التعاون مع الجميع ومدّ اليد للجميع. لكن ما يبدو غير مبرّر أو مفهوم، هو قطع الحريري بجزء من تصرفاته مع حقبة سابقة، بما يمثّل في أساسيتها كل من الاشتراكي والقوات، خصوصاً أن الخيارات الجديدة التي يذهب إليها، ويمدّ يده نحوها، تجعل يده الأخرى مرتبطة بنظام الأسد.