تنحو المواجهات في سوريا، إلى مواجهات بين القوى الكبرى مباشرة وليس بالوكالة. الغارة على مطار T.4 أحالت المستور معلوما. إسرائيل كشفت عمليا أنّها ضربت المطار؛ لأنّ إيران تستخدمه في تخزين وإطلاق طائرات بلا طيار، في حين كانت قبلا لا تعترف مطلقا، حتى ولو ثبت أنّها هي التي اعتدت. بدورها، إيران أكدت عبر علي ولايتي أقرب المستشارين للمرشد آية الله علي خامنئي «أنّ بلاده ستردّ»، وتولّى بهرام قاسمي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التأكيد بأنّ «الردّ الضروري سيكون عاجلا أو آجلا».
التهديدات المُتبادلة بين طهران وتل أبيب تؤشر إلى أن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية واقعة اليوم قبل الغد. لكن سواء كانت إيران البادئة لأنها يجب أن تردّ، أو إسرائيل لأنها لم تتعوّد السكوت على هجوم عليها، فالسؤال الواقعي: من يمكنه ضبط تدحرج «كرة النار» عند نقطة تحول دون وصولها إلى حيث لا يجب أن تصل أي الحرب الشاملة، التي حكما ستغيّر كل المعادلات خصوصا بين موسكو وواشنطن، لأنهما ستُحشران في كيفية حماية كل واحدة منهما لحليفتها؟
لا شك أن مسؤولية موسكو ستكون الأكبر. وستكون هي الأكثر إحراجا، لأنّها متحالفة مع طهران ولا يمكنها التفريط بها من جهة، ومن جهة أخرى لا تستطيع ولا تريد فك علاقاتها المتينة مع إسرائيل، خصوصا على الصعيد العسكري في سوريا. لذلك لا بد من أن تكون العاصمتان على تواصل مستمر لوضع حدّ لتبريد الأجواء وعدم تدهورها، لأنها إذا بدأت في سوريا فمن يضمن عدم تمدّدها إلى لبنان أولا ومن ثمَّ إلى إيران ثانيا؟
الغارة الإسرائيلية على الموقع الإيراني في مطار T.4 دفعت حكما بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية إلى الواجهة. إسرائيل أكدت بالغارة ومن خلال الصور التي نشرتها بعد ذلك حول المواقع الإيرانية في سوريا، أن «النشاطات الإيرانية في سوريا مكشوفة أمامها»، وأن هدف هذا النشاط تحويل سوريا إلى «جبهة أمامية». انتهى زمن السكون والمساكنة السورية – الإسرائيلية ومعها الإيرانية، والاكتفاء بإشعال جبهة الجنوب اللبناني. لذلك فإن أي رد إيراني على الغارة لا بد أن يطال إسرائيل مباشرة وإلا لا معنى للرد الذي تبقى مسؤوليته محجوبة في «حرب الظلال».
إسرائيل أكدت عبر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «الجنرال قاسم سليماني موجود في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأنّه يخطّط لعملية انتقامية». إذا صحّ هذا التوجه الإيراني فإنه يعني حكما أن إيران التي احتفلت بعيد الجيش ليست حذرة فقط وإنما قلقة وخائفة، فهي لا يمكنها الصمت ولا ضمان عدم تحوّل أي عملية محدودة ومحدّدة إلى «حرب صواريخ» شاملة في وقت لا تبدو فيه إيران مستعدة لخوض مثل هذه الحرب، وهي الغارقة في «حروب» سوريا مباشرة، والعراق واليمن بطريقة غير مباشرة حتى الآن.
السؤال الكبير، لو وقعت عملية إيرانية ضدّ إسرائيل، فهل تكون في دفع «حزب الله» إلى الدخول في حرب مهما قيل عن إمكاناته واستعداداته، غير قادر عليها ولا على مواجهة جمهوره في الجنوب اللبناني الذي سيدفع الثمن غاليا وأكثر مما حصل بكثير في الحرب السابقة؟ وماذا سيقول لقواعده الشعبية والمسلّحة لتبرير إشعال هذه الحرب التي من الواضح للجميع أنها ستكون بأمر إيراني مباشر وليس لتحرير الأرض اللبنانية؟
أمام إيران وإسرائيل مواعيد لا يمكن القفز فوقها، خصوصا أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة في بعضها. «نصف الإسرائيليين خائفون من الحرب القريبة». اعتادت إسرائيل على تسويق وبيع خوفها دائما. المأزق أن إسرائيل تحتفل بالذكرى السبعين لقيامها والفلسطينيين بالذكرى السبعين للنكبة، وكل ذلك على وقع «الموعد الترامبي» حول الاتفاق النووي مع إيران في الفترة نفسها تقريبا.
أبعد من ذلك، إنَّ إيران لا يمكنها إلا العمل لتفادي حرب واسعة والاكتفاء بعمليات محدودة، لأنها «ترقص» في الداخل على وقع خلافات مُعلنة، إلى درجة أن المرشد خامنئي أصبح مضطرا للطلب من أجهزة الاستخبارات الإيرانية «النأي بنفسها عن الانقسامات الداخلية». وذلك بعد أن أصبح التنافس بين مختلف الأجهزة علنيا.
ويبدو أن إسرائيل وجدت أخيرا في نظام بشار الأسد، «عقدة أخيل» الإيرانية. لذلك هددت بالرد على أي هجوم إيراني بشكل «يقوّض سيطرة نظام الأسد». معنى ذلك أن إسرائيل ستركّز في ردّها العسكري على قصف مواقع للجيش الأسدي كما «الحرس الثوري» سواء في حلب أو دير الزور أو دمشق.
الخطر الظاهر والكامن في الوقت نفسه في سوريا، أنّها تحوّلت برأيي الخبراء إلى «مختبر لحروب القرن الواحد والعشرين». أي أنها «حروب تتناسل ولا يمكن وقف تناسلها إلا عندما تستنفد القوى الكبرى المُشاركة فيها وسائلها بعد حصولها على ما خططت له منذ البداية». الحرب في سوريا برأي هؤلاء الخبراء تبدو كأنها تماثل حرب إسبانيا التي شكلت مختبرا للحرب العالمية الثانية والحرب الكورية في القرن العشرين مختبرا للحرب الباردة.
ترجمة هذا التحوّل، أنَّ روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، لن تُوقف الحرب في سوريا حتى تحصل كل واحدة منها على «حصتها» حتى ولو اقتضى الأمر الدخول في مواجهة مباشرة مع أحد الأطراف أو أكثر. من الواضح أنّ إيران في قلب هذه المواجهة لأنها هدّفت على هدف ولم تأخذ في حساباتها موضع «أقدامها» الغارقة في وحول خارجية وداخلية معا، وأنّ إسرائيل ليست وحدها من ستكون سعيدة في «ليّ يدها إن لم يكن كسرها». فروسيا أيضا يهمّها تخفيض «الشهية الإيرانية». أما الولايات المتحدة الأميركية فسيسعدها «كسر يدها» والأقسى أنّ محيطها الجغرافي سيكون متأهبا ومغتبطا إذا ما حُجّمت طموحاتها وأُجبرت على الانكفاء إلى الداخل.